يبدو أن الإنسان العربي يحتاج على الدوام إلى عدو يفهمه، ويفهم لغته، لكي ينخرط في الصدام معه، ليقنع نفسه أنه ما زال قادرًا على أن يتلبس أدوار البطولة. يبدو هذا واضحًا من برودة جبهة شتائم إسرائيل، التي ما عادت حاضرةً إلا في افتتاحيات صحف الممانعة، وفي عنتريات أولئك الذين لا يزالون يفتشون عن طريقهم إلى القدس خلافًا لسهم البوصلة. أيضًا عشاق نظرية المؤامرة لم يعودوا يجدون شيئًا جديدًا في اتهام الغرب الذي طالما أقنعونا بأنه لا يكاد ينام ويُفيق إلا على نصب الشراك لنا، وعقد المؤامرات والدسائس لكي يقضي علينا، ويحاربنا، ويسرقنا، ويصادر تاريخنا، وترابنا وانتصاراتنا.
كل هذه الأمور باتتْ ممجوجة، ومستهلكة فيما يبدو مع عصفور تويتر، الذي وفّر تحت جناحيه الفرصة السانحة، وبلسان عربي مبين لكل الباحثين عن البطولات لشتم بعضهم، وإهانة بعضهم، والتشفي على أتفه سبب، المهم أن يستعيد كل واحد عمرو بن كلثومـ«ـه» الخاص ليورد راياته التويترية بِيضًا، ويُصدرهنّ حُمرًا قد روينا، وينقل «رحاه» من قومٍ لقومٍ، يكونون في اللقاء لها طحينا، ولسان حالهم يردد:
ألا لا يجهلن أحدٌ علينا..
فنجهل فوق جهل الجاهلينا
أصبحتْ أي تغريدة من أي أحمق، كفيلة بجرّ ما يكفي من الشكل لتدمير كل ما بُني من علاقات الود، ذلك لأن تويتر أراد أن يلعب هذا الدور «الجاهلي» بعصبية الهاشتاقات التي باتت تصنع الجبهات الالكترونية، وتدفع الناس للاصطفاف، هذه هي طبيعة ثقافة تويتر التي واكبتْ للأسف رغبة الانتصار للذات في الحشد ضد الآخر وإقصاءه بغلبة قوة الهاشتاق وحجم قطيعه الذي يتطوّع للانتصار له ظالمًا أو مظلومًا.
هذه الروح التي أصبحتْ تُحمّل الدول والمجتمعات تبعات أي تغريدة من أيّ مواطن لمجرد أنه ينتمي إليها، وتحاسبها عليها، هي روحٌ «كلثومية» تُبيّن أنه حتى وإن كانت الأداة حضارية، إلا أن عصبية وعصابية المضمون قد تعيدنا إلى الوراء