انتشرت في الآونة الأخيرة قصة الفتاة السعودية التي انتقلت إلى أمريكا مع أهلها، ودخلت إحدى المدارس الأمريكية هناك، وأصبحت درجاتها صفراً في اختبارها الأول، لأنها كانت صورة طبق الأصل عن الإجابة النموذجية؛ فظنت المعلمة أنها قد قامت بالغش، لأنه لا أحد هناك يحفظ الإجابات، ويعيدها في الاختبارات، كما هي الحال في أنظمتنا التعليمية. وبعد أن راجع والدها المدرسة، وأوضح لهم أن هذه طريقة التعليم البائسة، التي اعتادت عليها سارة وأخواتها السعوديات في المدارس قبل انتقالها إلى أمريكا، قامت المدرسة باختبارات للتأكد من كون هذه المعلومة صحيحة، ثم أخبروها بطريقة التعليم الصحيحة، المتمثلة في الفهم والتعبير الذاتي عن ذلك الفهم بأسلوب يعبر عن مستوى النضج في استخدام اللغة والمنطق.
سارة كانت محظوظة أنها انتقلت مع عائلتها، فحظيت بتعليم حقيقي فيما تبقى من سنوات تعليمها العام، لكن ما ذنب أخواتها وإخوانها في السعودية، الذين لم يتمكنوا من الحصول على تعليم تُراعى فيه أبسط هذه المبادئ المعروفة في كل بلدان العالم المتقدم، ومن يسير على نهجهم، ممن استطاع نفض غبار التقليدية في نظم التعليم من بلدان العالم الثالث؟ فمنذ نشأة المملكة العربية السعودية، بل وقبل نشأتها في المدارس التقليدية المعروفة بالكتاتيب، كانت طريقة الحفظ هي السائدة، وضرب التلاميذ إذا لم يحفظوا هو الوسيلة الثابتة فيما يُطلق عليه مجازاً «التعليم»؛ بينما هو في الواقع أسلوب «للتحفيظ»، كما بقي المصطلح مستخدماً دون مواربة في مدارس «تحفيظ القرآن». فهل هؤلاء التلاميذ قادرون بعد انتهاء سنوات التعليم العام على التحليل والمقارنة وإبداء الآراء النقدية، التي يفترض أن يتحصلوا عليها من فصول الدراسة، وفي نقاشات مع زملائهم، وبإشراف مدرّسيهم، أم هي المقولة السائدة: احفظ ما في الكتاب أو المذكرة، وأتِ به حرفياً في الاختبار، لكي تحصل على أعلى الدرجات؟
وقد تبين للقائمين على التعليم، خاصة بعد إنشاء مركز القياس الذي صارت اختباراته ملزمة من أجل الدخول إلى الجامعات، أن مناهج التعليم لدينا ليست على ما يرام، وأن كثيراً ممن يحصلون على أكثر من 90% في الشهادة الثانوية، لا يصلون إلى نسبة 70% في اختبارات القدرات. لكن لم يستطع أحد من وزراء التعليم أو المسؤولين الكبار في الوزارة الاقتراب من ذلك الطلسم، ومحاولة فك رموزه.
الجميع يقولون في كل وسائل الإعلام، إن التعليم يجب أن يتغير، والمناهج لا بد أن يجري تحديثها؛ لكنهم للأسف يقصدون بالمناهج الكتب الدراسية، وهي ليست كذلك، فقد يكون تعليماً جيداً دون كتب على الإطلاق، خاصة مع تقدم الوسائل التقنية واستخدام الإنترنت في الوصول إلى المعلومات بسهولة. وكل ما يقومون به بين وقت وآخر هو تغيير أغلفة الكتب وكتابة سنة التأليف ووضع بعض الأسماء، التي توحي باشتغال على التطوير.
والجدير بالذكر أن المواد الأكثر صعوبة على التطوير في تعليمنا، هي تلك المتعلقة باللغة والفكر؛ إذ تكون مقاومة التحديث في آلياتها مقرونة لدى المنافحين عن طرقها التقليدية بمحاولات تقليصها أو إلغائها، كما يظنون أو يتوهمون. وما دامت عمليات تطوير التعليم تخضع لمثل تلك الصراعات، فإن الضحية هو النظام التعليمي نفسه وعقول التلاميذ، التي تصبح عرضة للتسطيح، وينتزع منها حق أولي للفرد في كل بلدان العالم الحديث.
بالطبع كثير من الأسر تلجأ إلى مدارس خاصة ربما تسعى لتعويض النقص في تلك الوسائل التعليمية، لكنه من غير المنطقي أن يتغاضى المسؤولون عن التعليم عن حلحلة العقول من خلال تحفيز التفكير النقدي وفهم الحجج والأبعاد المنطقية للمقولات، وغير ذلك من الوسائل التي لا يمكن أن يتعلمها الصغار في المنزل أو الشارع.