ما أجمل أن يتفقد الإنسان أصله وبدايته، إنه لأمر دافع لي إلى الأمام أن أستشعر أنني هنا على هذه الأرض لست بوحيد بل هناك من يشاركني قواسم مشتركة ليست صداقة ولا معرفة ولا رأيا وإنما دماء وشبه وشكل وأصل واحد لا تنسخه الأيام مهما حاولت، لذلك سيغمرك الحبور والسعادة حين تأتي إلى أقربائك زائرا وواردا ومتصلاً معهم باستمرار.
صلة الرحم فضلا عن أنها ضرورة دينية حض الإسلام عليها ودفع باتجاهها فهي كذلك ضرورة إنسانية وكنوز ثمينة نحتاج كبشر أن نأتيها ونكررها ونحرص عليها، فعلاقات القربى في معظمها يغلب علىها الصدق، ففطرتك كأخ لي أو أخت أو غير ذلك من جهات القربى تدفعك باتجاه البحث لي عن الخير دون انتظار فائدة أو مقابل، وبالتالي تكون النصيحة لي منك ذات عمق وحرص طبيعي غير مصطنع، وبالتالي آراؤك بالنسبة لي تكون محل تقدير وفائدة أكثر من أي أحد آخر.
بالنظر إلى التكنولوجيا وما صنعته من تقريب للبعيد وطي للمسافات فنحن نشكرها على ذلك ونرى أن ذلك منجز إنساني مهم، لكن الخشية كل الخشية أن تحددنا وسائلها في أشكال تواصل ثابتة ننسى بها الزيارة الواقعية والود المباشر والجلوس سويا في مكان واحد، إن آفة الافتراض والتواصل من خلاله؛ صارت طاغية على كل مجريات حياتنا، لذلك يجب مقاومتها، وأولى درجات المقاومة صلتنا لرحمنا صلة واقعية عبر زيارات ولقاءات وود متبادل، إن ذلك لمن علامات النضج ومن علامات تجاوز تأثيرات الزمن السلبية وإتمام حقيقي لمعنى الحياة بقرب من رحمنا وصلة له غير منقطعة، إننا حقا بحاجة إلى قلوب تحبنا بصدق ودون أدنى مصلحة ولن نجد ذلك خيرا مما نجده بين أقربائنا وأهلنا.