رغم أننا دخلنا مرحلة الإعلام الجديد الذي يغيب فيه دور وزارات الإعلام، ورؤساء التحرير، ويغيب فيه الرقيب، وكل آليات الإعلام التقليدي ورقا أو مواقع الكترونية، رغم هذا إلا أن الملاحظ أننا ما زلنا نريد أن نعالج مشاكل الإعلام الجديد بنفس آليات معالجاتنا للإعلام التقليدي، وننسى أننا أمام كائن مختلف تماما عن سابقه، وإن كان يشترك معه في الاسم والهوية، إلا أنه يختلف عنه جينيا، وخلقيا، وأخلاقيا، ويختلف معه حتى في أدبياته وسماته الفكرية والثقافية.
لا يمكننا بالتأكيد أن نجر تلك الآليات التي حكمنا بها الإعلام التقليدي الذي نستطيع أن نضبطه على الورق، ونوقف تجاوزاته بأوامر رؤساء التحرير، أو الرقيب الصحفي، لنستخدمها ذاتها مع إعلام سائل، وأحيانا هلامي، أو زئبقي، وربما خفي، يشتغل على قماش مختلف ومخاتل، ويعتمد على معطيات اللحظة دون أي فلاتر، أو حسابات مسبقة، لأننا في هذه الحالة سنكون كما يقول مثلنا الشعبي التليد «مثل معانق السيل بعباته»، والمثل يجسد المهمة المستحيلة التي أراها في طريقة تعاملنا حتى الآن على الأقل مع الإعلام الجديد.
على سبيل المثال: هنالك من يطالب بإيقاف صناعة التفاهة التي يُتهم بها الإعلام الجديد، والتي تبدأ مع بعض الصرعات التي تنطلق من مكان ما على سطح الكرة الأرضية، وما هي إلا ساعات حتى تتحول كنار الهشيم لتعبر الحدود، أو تأتي عبر حماقات بعض الباحثين عن الشهرة، ولو من خلال نفايات السلوك، المهم أن يتبين الناس اختلافهم ليحصدوا الشهرة بينهم ولو على مراكب القبح أو القذارة.
لذلك يجب أن نعي أننا لو شغلنا الناس كلهم كرؤساء تحرير فلن نسيطر على هذا الفضاء المخاتل، ولو افترضنا جدلا أننا نجحنا، وهو مستحيل، فإننا لن نستطيع أن نوقف زحف التفاهات القادمة مما وراء الحدود. المسألة أعقد من أن (نطالب) كما كنا نفعل في الماضي أيام الإعلام الذي كنا نملك رسنه وخطامه، فقط هنالك سبيل واحد، وهو أن ندعم المبدعين بقوة لصناعة محتوى الجمال والرصانة لتكون كفتهم الأرجح، وهذا أضعف الإيمان.