إنه عنوان غريب بعض الشيء بالتأكيد، فقد سمعنا كثيرا عن التعليم بالتلقين، أو التعليم بالحفظ، وحتى التعليم بالترفيه وغيرها من العناوين التي تشير إلى تجارب الأمم في العملية التعليمية، ورؤيتها لأساليب التربية والتعليم وفق النظريات المطروحة منذ عرف الإنسان نظام الكتاتيب، وحتى تعليم الأون لاين، لكن يظل في تقديري عنوان (التعليم بالسعادة) عنوانا يستحق التوقف عنده قليلا، لقراءة التجربة الفنلندية التي تمثل اليوم أنضج وأنجح تجربة تعليمية على مستوى العالم، حيث تجاوزتْ في جودة المحتوى دولا ذات باع طويل في هذا المجال، ولا تزال تتسيد المشهد خاصة في استقطاب الابتعاث الدولي كبريطانيا والولايات المتحدة واليابان وأستراليا وغيرها، لكن وكما هو واضح فقد تسللت فنلندا من الصفوف الخلفية، وخطفتْ الكعكة الأكبر من حظوظ النجاح، وبالأخص في التعليم التأسيسي الذي يشكل مدماك العملية التعليمية وقاعدتها التي يمكن أن يتم البناء عليها.
وبصرف النظر عما يقوله بعض من يوصفون بالخبراء التربويين في بلادنا، اننا يجب ألا نصيغ السمع لتجارب الآخرين بحكم أن ما يناسب غيرنا ليس بالضرورة أن يناسب أبناءنا، أو أن لنا خصوصيتنا، وما إلى ذلك من تلك الادعاءات الهروبية التي تستهدف التملص من المقارنة، أو فشل التطبيق، وكأن الفنلنديين مثلا لهم فصوص مخ مختلفة عنا، أو كأنهم «خلقوا من الماء، ونحن خُلقنا من برد» مع الاعتذار للشاعر الجميل عبدالله الصيخان، بحيث ندّعي أن ما وفّر لهم فرص نقل تعليمهم للمركز الأول دوليا، لا يمكن أن يتوافر لنا، دون تقديم أسباب موضوعية، سوى التمسك بتجاربنا التي أبقتنا «محلك سرّ» على مدى كل هذا العمر المديد من التعليم النظامي.
طبعا مساحة هذه الزاوية لا تستوعب الحديث بالتفصيل عن التجربة الفنلندية، والتي تحتوي على أقصر فصل دراسي على مستوى العالم، وأقل يوم مدرسي، إلى جانب التفاصيل الكثيرة المتاحة على الإنترنت لكل من أراد أن يطلع على أسرار تلك التجربة الفريدة، لهذا السبب أريد أن نتوقف عند ما اتفق عليه الفنلنديون أنه هو سر نجاح تجربتهم، وهو التعليم بالسعادة، وذلك بجعل بيئة المدرسة مصدراً للسعادة التي يحلم فيها الطفل في نومه بانتظار الصباح ليهرول إليها حتى قبل أن يلتهم إفطاره.
لماذا لا نجرب فقط على مدارس محددة، فقد نجد ما نبحث عنه هناك!.