وفي المقابل قد لا يستطيع الإنسان أن يترك كل ما بين يديه من التزامات وأعمال وواجبات، ولكن لابد من لمسة وإضافة إلى الجدول والعمل اليومي من شيء من الأعمال الروحية المختلفة مثل: قراءة قرآن أو صدقة أو صلة الرحم أو أداء فريضة الحج خصوصا لمن أجّلها وهو مقتدر، وقد جاء في الحديث «تعجلوا إلى الحج فإن أحدكم لا يدري ما يعرضُ له». وبالمناسبة فرحلة الحج هذه الأيام أصبحت أكثر يسرًا وسهولة، وأدق تنظيمًا وذلك بفضل الجهود الكبيرة التي تبذلها المملكة في خدمة حجيج بيت الله. وكذلك الجهود الرائعة والإنسانية التي يقوم بها رجال الأمن ومن معهم من مختلف القطاعات في خدمة وراحة الحجاج. ونحن نرى على مواقع التواصل الاجتماعي الكثير من المشاهد الإنسانية التي يقوم بها رجال الأمن التي تثلج الصدر من التفاني من أجل إتقان وإحسان العمل، وإظهار جانب المروءة وروح الإنسانية التي لا تفرق بين لون أو عرق.
الأمر الآخر ان هذه المواسم الفاضلة تأتي على عجل وتمضي كأنها برهة أو غمضة عين وتأجيل الأعمال والطاعات فيها أو التكاسل عنها يبدو فيه شيء من الرعونة ويفتقد إلى الرشد. ولذلك فإن اضافة أعمال بسيطة إلى جداولنا اليومية وعلى مبدأ: قليل دائم خير من كثير منقطع (مبدأ فعال في الإنجاز) ينقذنا من دوامة الحياة المادية، ويذكرنا بالجانب الروحي الذي يظل مؤرقًا لنا حين نهمله أمدًا طويلًا. فالروح هي أيضا تبحث عن الغذاء شأنها شأن الجسد الذي يتململ بسرعة ولا يشبعه شيء. ويقول الدكتور مصطفى محمود - رحمه الله - في كتابه «الروح والجسد»: من أسرار السعادة انسجام الظاهر والباطن في وحدة متناسقة متناغمة.
ولعل المقصد من هذا المقال أن الإنسان لا يمكن أن يعيش على وتيرة واحدة طوال السنة، وكذلك لا يمكن أن تمر عليه الأيام الفاضلة والمواسم الكريمة دون أن يقطف منها شيئًا من الثمار لراحته النفسية والروحية.
وهناك ملاحظة مهمة وهي أنه لا يعني أننا مقصرون ومنغمسون في الحياة إلى النخاع، أن نبخل أو ننسى لحظات التقرب والمناجاة، وأيام الخير والعمل فيها. وأيضا العيش ولو لدقائق يومية للتأمل والتفكر خصوصًا في هذه المواسم المباركة، فتلك منقبة وفضيلة للوقوف على أعتابها والتزود منها، وقد ألف عباس محمود العقاد - رحمه الله - كتابًا سماه «التفكير فريضة إسلامية». والتفكير يعتبر من أعلى مراتب الإنسان، وقد صدق أبو العتاهية حين قال: وفي كل شيء له آية... تدل على أنه الواحد. فهل نفكر في ذلك؟!