قل لهم: «إن الجزء أكبر من الكل» أو قل: «رأيت الضدين في المقهى يلعبان الشطرنج» أو قل: «عندما يتمغزل الإنسان، في العقد الثالث من تشنجه المنغلق، للبعد الرابع للجسم، فهذا يعني يعني، أنه أنه، لما لما، شاف رأى، من المستحسن أن يسير فسار».
أنت ستمر على هذه العبارات، دون أن يرف لك جفن، ودون أن ترى فيها مقبرة للبديهيات الفلسفية، أو سرادقا لنواح الفلاسفة. ستقول: ماذا يعنيني من الجزء إذا أصيب بالورم، فصار أكبر من الكل، فأنا «لا أحسب الشحم في من شحمه ورم» وسوف أسرع إلى المقهى لأشاهد من انتصر من الضدين.
ولكنك حين تقول هذا تنسى أنك لست فيلسوفا، لا يشق له كلام. إن كل فيلسوف يبني له هرما يشبه قصر الخورنق، إذا اختلت منه حجارة واحدة تهدم القصر كله. وأنت - سامحك الله - أخذت معولا عرمرميا، وهدمته بقولك هذا.
السرادق المعد لبكاء الفلاسفة، تحول إلى تفجير الخلافات التاريخية والوجودية بينهم، وإلى نسيان ما تنادوا إليه. سقراط، الذي يزعم، مثل الشعراء العرب بأن له شيطانا، لم يصرح باسمه، قال: إن شيطانه لم يأت بعد، ليدلي برأيه، في هذه الأقوال الثلاثة التي كانت السبب في اجتماعهم. أفلاطون الخيالي قال: إن مُثُله لم تهتز من رياح هذه الأقاويل. أرسطو الواقعي قال: إن هذه الأقاويل كلها يمكن أن تحال إلى شخص يأتي في آخر الزمان، اسمه فرويد، حتى يفسرها لأنها صادرة بالضرورة عن أحلام سوداء.
الرعيل الآخر من الفلاسفة عبر القرون، رشقوا بعضهم بعضا بأقوال غليظة من الازدراء، وبـ(حجارة من سجيل) فراح بعضهم ينادي: واعيناه، وآخر: وارأساه، وثالث:
وا حر قلباه ممن قلبه شبم
ومن بجسمي وحالي عنده سقم
وما انتفاع أخي الدنيا بناظره
إذا استوت عنده الأنوار والظلم..
أما سارتر، فبدلا من تكرار قوله: «الآخرون هم الجحيم» لأنهم يمنعونه من تحقيق ذاته، راح يقرأ قصيدة (وجودية) لنزار قباني: «كان اسمها جانيت/ وهي وجودية/ لأنها إنسانة حية/ تريد أن تختار ما تراه/ تريد أن تمزق الحياة/ من حبها الحياة...».