لم يكن مستغربًا أن يقف الجنرال ميشال عون على منبر الأمم المتحدة مدافعًا عن سلاح حزب اللات في ضاحية بيروت الجنوبية، واصفًا ذلك السلاح الذي أثبتت كل الأحداث منذ أحداث السابع من أيار واحتلال بيروت بأنه سلاح مقاومة، ولم يكن من اللافت أن يستميت فخامته في الدفاع عن هذه الأكذوبة طالما أنه يشعر أنه لم يصل إلى موقعه في سدة الرئاسة اللبنانية، إلا من خلال فروضات هذا السلاح الذي بات يختطف قرار كافة اللبنانيين وفق إرادة أولياء النعمة في طهران.
وبما أن السيد عون يدين للفضل في وصوله لرئاسة الجمهورية لسلاح الحزب، فإنه حتمًا مضطر لأن يغمض عينيه، وأن يسد أذنيه عن ارتكابات الحزب في الداخل اللبناني، وما فعله ويفعله في السوريين، ومشاركته اللوجستية والعملية في اليمن، وتهليله لكل ما يمسّ أمن المملكة، وهو ثمن رخيص لبضاعة أرخص، في سياق شراء الكرسي الذي سيتجاوزه تاريخ لبنان، وسيحثو عليه التراب مثل كل التشوهات التي طرأتْ في سياقات تاريخه ممثلًا بزعامات الوصاية الذين لم يعُد يذكرهم أحد، لكن الشيء الذي يجب أن يخشاه اللبنانيون ليس هذا الارتماء من رئيس جمهوريتهم في أحضان الحزب، وذهابه للأمم المتحدة للدفاع عن سلاحه، بدلًا من المطالبة بتعزيز جيشه ومؤسساته الرسمية عسكرية ومدنية، ودعم اقتصاده، والدعم السياسي لتمكين قيام حكومته المشلولة باشتراطات وإملاءات الحزب، ليس هذا هو المخيف في هذه العلاقة العوجاء ما بين رأس الدولة والميليشيا، وإنما الخوف كل الخوف من أن يستغل حزب نصر الله سقوط الدولة في كنفه بهذا الشكل المريع ليحوّل لبنان إلى نافذة سرية لخرق العقوبات المفروضة على طهران، وليكون اقتصاد لبنان معبرًا لتعزيز الاقتصاد الإيراني، وصولًا لاستغلال موانئه لتهريب السلع الممنوعة إلى هناك، ولا شك في أن الحزب الذي أخضع رأس الدولة بهذه الطريقة المهينة سيبذل كل ما في وسعه لاستغلاله في هذا الإطار؛ مما قد يعرّض لبنان إلى العقوبات الدولية، والدخول في أزمات جديدة مع المجتمع الدولي؛ لأن آخر ما يفكر فيه الحزب هو لبنان ومصلحة لبنان؛ إذ يهمه كثيرًا ألا يتعثر اقتصاد إيران بفعل العقوبات والمقاطعة الأمريكية والدولية حتى يستمر حبل السرة في العمل حتى لا يتوقف الدعم الذي يعيش عليه، وهذا ما يجب أن يتنبه إليه اللبنانيون، فالمسألة أكبر بكثير من مجرد بيع وشراء موقف، خاصة بعد تطبيق الجرعة الثانية من العقوبات.