ولكنك إن دققت في شأن هذه البرامج التي أرى أنها تحت ضغط شديد لملء فراغ وقت البث التلفزيوني مما يحدوها أن تعيد إنتاج بعض أفكار برامج سابقة، لذلك تعيد علينا قصة الشاب أو الشابة اللذين يحلمان بالنجاح، والذي يمكن تعريفه باختصار شديد: أنه كسب المال الكثير في وقت قصير عن طريق ابتكار تطبيق يمكن تحميله على الأجهزة الذكية ويلقى نجاحا، فيأتي مستثمر فيشتري التطبيق من الشاب الصغير بمبلغ من المال لا يمكن أن يحلم هذا الشاب أن يجنيه في هذا الوقت القصير، وتنتهي القصة هنا لتعاد في برنامج آخر مماثل.
فهذه الشابة أو ذلك الشاب استطاع بجهاز محمول على كتفه أن يحقق نجاحا منقطع النظير، لأنه كسب المال عن طريق تطبيق يستخدم في عالم افتراضي، ولكن لو افترضنا أن هذا النجاح كان مرضيا لهذا الشاب أو تلك الشابة فهل هذا يعني أن كل من ابتكر تطبيقا يمكنه أن يجد من يشتريه ليصبح بعدها إنسانا ثريا بعد شروق شمس اليوم التالي؟ الجواب لا. ولكن تلك البرامج التلفزيونية الشبابية قد حصرت طموحات الشباب في العالم الافتراضي فقط، ورسمت صورة ذهنية للنجاح على أنها مشابهة لقصة النجاح الذي حققه اصحاب تطبيقات شبكات التواصل الاجتماعي المعروفة، وما تبعها من تطبيقات مبتكرة لم تزد أصحابها إلا ثراء.
التسويق لهذه الفكرة ربما يكون فيه بعض المحاذير، لأن العالم الافتراضي سهل على الكثير من المشتغلين فيه الكسب السريع والوصول إلى الثراء السريع، وبالتالي تحقيق النجاح. وهذا النجاح لا يقف عند حد مصممي ومبتكري البرامج والتطبيقات، فهو يتعداهم إلى من استغلوا هذه المنصات لجذب ملايين المتابعين والتكسب من وراء أعداد متابعيهم، ولكن هناك خطرا يكمن في كون كل هذا النجاح افتراضيا، فهو ليس منتجا يمكن تطويره وتحسينه، هو فقط شيء افتراضي يصلح لذاك الوقت وذاك الحين ويمكنه أن يتبخر تدريجيا أو بشكل سريع في لحظة ظهور شيء جاذب أكثر منه. ولكني لن أكون متحجرا للغاية بهذا الخصوص، فهذه العوالم الافتراضية يمكنها أن تجلب أموالا طائلة، فميزانياتها وإيراداتها تقدر بعشرات المليارات، لكن يبقى أننا نعيش في عالم واقعي له متطلباته ويحتاج منا أن نشجع على الابتكار من أجل إيجاد الحلول لمشكلاته، أو المحافظة عليه أو تحسينه، وهو ربما لا يجلب لنا الكثير من الأموال في وقت سريع، ولكنه واقعنا الذي نعيش فيه، وهو الذي تشرق عليه شمسنا كل يوم.