(إن الطابع المثالي الذي ساد الفكر الغربي قرونا عديدة، حال دون ربط العمل الأدبي بالواقع المادي الذي يترعرع فيه، والظروف الاجتماعية التي ينمو في حضنها.. باعتباره فنا من صنع الخيال، لا انعكاسا للواقع. بالإضافة إلى أن النقد نظر إلى العمل الأدبي باعتباره إنتاج فرد بعينه) أما الأدب العربي فلم يشر إليه على الإطلاق.
أما الدكتور جميل حمداوي فى كتابه (سوسيولوجيا الأدب والنقد) وقد صدر عام (2015) فلم يضف شيئا سوى قوله:
(أما الدراسات السوسيولوجية في العالم العربي فما زالت تقليدية، وتابعة للمرجعية الغربية. على الرغم من تعريفه لهذا الفرع من علم الاجتماع بأنه: ارتباط الأدب بطرق تفكير الناس، وسلوكهم في الحياة اليومية).
والغرابة في قول الحمداوي تظهر من التباعد بين تعريفه للسوسيولوجيا
الأدبية، وبين نفيها عن مرجعيتها العربية، لأن الشعر الجاهلي كله يكاد
يكون قصيدة واحدة، لأنه يعبرعن أفكار مشتركة، وذهنية، وحياة اجتماعية متشابهة إلا إذا كان حمداوي يقصد الدراسة النقدية الحديثة.
في العصر العباسي الأول والثاني حصلت النقلة الكبيرة التي عبر عنها أدونيس بأنها «الانتقال من التسليم إلى التساؤل» فبرزت ذات الشاعر وراح يعبر عن معاناته، بل عن انفصال اتجاهه عن السائد، غير أن ذلك لم يبق طويلا، فهو قد بدأ بأبي نواس حتى أبي العلاء، أما فارسها حقا، فهو المتنبي؛ فهو الذي نقل (الشعرية) إلى ما أسميه (الذات اجتماعية) ذلك لأنه عبر عن حرائقه الداخلية باعتبارها جماعية، ولكنها بدون دخان، فلم يرها من حوله:
وما انتفاع أخي الدنيا بناظره
إذا استوت عنده الأنوار والظلم؟