لكنني كنت فى شغل عنها؛
إذ كنت أحمل سلاحي،
دفاعا عن بلدي،
فلم أستطع أن ألبي الطلب).
قد يذهب بك الظن إلى أن هذه الأبيات الزجاجية، التي تشف عما وراءها، لشاعر يجنح إلى الرمزية، وأن دلالة السلاح عنده غيرها في اللغة السائدة؛ أي أنها تعني الأفكار النضالية، والإصرار عليها، ولأنه شاعر تتدفق الرقة من جميع جوانبه، راح يقدم اعتذاره للقمر. هذا القنديل الذي أخجله الشعراء من الوصف به كل من هبت ودبت..
أو تظن، ظنا واسع العينين، أن نافذته كانت تطل على النيل: (والناي على الشط غنى والقدود بتميل..) أو أنه كان يطل على دجلة وقد:
طاح عمود النور فوق دجلة
فصيرته بارتجاجها كسر
أو تظن، ليس كما قال جلال الدين الرومي: (كل ظن ظامئ إلى اليقين) بل هو ظن شرب من اليقين كأسا دهاقا، بأن صاحب هذا الشعر واحد من المدعين، يتغزل بواحدة لم يرها فى حياته، وليس مثل الشاعر المتوهج جاسم الصحيح:
شاعر كلما توهجت شعرا
غزليا أحرقت لحية كاهن.
كلا، كلا.. هذا الشاعر لا هذا ولا ذاك، إنه مناضل منذ العاشرة من عمره. ولنضاله الوطني طرد من المدرسة فى ظل الاستعمار الفرنسي لبلاده. لقد طرد من بلاده لنضاله المستمر، ثلاث دول عاتية هي فرنسا واليابان وأمريكا، وذلك بزرع دوافع النضال فى شعبه، على الرغم من الوحشية النكراء التي لاقاها شعبه من الدول الثلاث.
كانت حياته حياة فقر مدقع. عمل طباخا فى سفينة، وغاسل صحون فى فنادق الدنيا، وظامئا إلى التعليم الذي حرم منه صغيرا، ولكنه استطاع أن يزرع فكر النضال، ودوافعه فيمن حوله.. إنه الزعيم المشرق المستنير (وهذه ألقابه) القائد: هوشي منه (1890ـ 1969).
يقول أحمد فؤاد نجم:
(دمع البارود انهمر
دفعات ورا دفعات
تغسل طريق البشر
وتموت الحشرات
ولما ذاع الخبر
وتأكد الإثبات
قالوا:
هوشي منه مات)