المواقف السياسية متقلبة، بل أن الأصل فيها عدم الثبات، وحليف اليوم ربما هو عدو الغد، وعدو الأمس يغدو حليف اليوم.. الوعي الذي يحتاج له الأبناء والشباب في طور تشكلهم الفكري؛ في جانب السياسة بالتحديد، هو الوعي في حدود الإطار العام الذي تحتكم له سياسة وتوجهات الدولة.. ذلك لاعتبارات كثيرة، أشدها بساطة، هو أنه الأصح والأكثر أمنا وحفاظا عليك.. لا شيء أبعد من ذلك هم في حاجة للغوص فيه.. الحياة الاجتماعية والنفسية للأبناء مثقلة بالضغوطات، خاصة في مرحلة السير نحو التبلور والنضج.. هذا ما لا يدركه بشكل واضح، الآباء الذين يقحمون أبناءهم في التوجهات السياسية المفخخة بالضغائن والاستعداء.. أشعر بالأسى تجاه مشاعر الشباب والمراهقين في بعض الدول العربية.. مشاعر مسممة بالكراهية والنقمة على أمور سياسية لا يفقهون فيها شيئا، وليس لهم ولا لآبائهم فيها ناقة ولا جمل.. إن من أخطر التداعيات النفسية والفكرية على الفرد ابتداء من مرحلة نضجه وحتى اكتمالها، أن يعبئ باتجاهات سلبية تجاه قضايا سياسية أو دول أو شخصيات ليس معنيا بها.. فهذا النوع من التعبئة، يمهد لمشروع أفراد إرهابيين أو مضطربين أو مقلقين للاستقرار الوطني الداخلي أو حتى الدولي الخارجي.. وهو الأمر الذي ينتهي مطافه بمأساويه في كثير من الأحوال. تأكد دائما أن من ينشر الكراهية يكن أول ضحاياها.. مساحات الشقاء في حياة كثير من الدول العربية بدأت تتوسع، ولا فائدة من مفاقمة الوضع بافتعال الأحقاد غير المبررة.. مشروع الإرهاب الكبير يبدأ بفكرة وشعور صغير في دواخل الشباب.. يبزغ تحت ذريعة نصرة الدين أو حتى نصرة الحق أو المبدأ الحقوقي.. الأفراد المفخخين بالضغائن حتى إن لم ينتهوا إلى إرهابين، هم ينتهون إلى منطقة سوداء من الكره والانشغال في دوائر من الفوضى الفكرية والذاتية.. التركيبة الذهنية متشابهة كثيرا في الأسر التي تربي أبنائها على أن المجتمع الخارجي بمحيطه الاجتماعي والسياسي يعيش حالة ضلال، وأن الصلاح والعدل مضمحل ويقتصر على ثلة محدودة هم أحد مكوناتها!! هذا النموذج الرديء الذي يكاثر لنا أفراد بوعي منفصل، ينقمون على المجتمع ويتدخلون في حريات الأفراد بالنقد المستمر ويعيشون حالة سخط على الثقافة والمجتمع وبعض الرموز السياسية محلية كان أو دولية.. هؤلاء عنصرهم الديني والاجتماعي والسياسي ملوث ومن الصعب حلحلت عقده.. لن نرجو براء هؤلاء من علتهم لأن أمرهم صعب، نحن نرجو إيقاف تكاثر هؤلاء على مستوى الوعي والسلوك، وهذا لن يتسنى إلا ببرامج موجهة لتنوير الجيل الجديد بمبادئ وطنية وأخلاقية وفكرية رفيعة، بطريقة متقدمة ليست وعظية تقليدية.