قد يكون الاهتمام بالتفاصيل والعمق والتفرد في فهمها وانتهاجها بفن «أمر فطري» أو موهبة تبزغ بسبب التكوين الخلقي والجيني للفرد، لكني أعتقد أن مثل هذا النوع من المهارة والفن يمكن اكتساب الحد الأدنى منه بالاهتمام والتعلم.
الإمعان في التفاصيل ليس حسنا ولا سيئا، على المطلق.. الأشخاص الذين يغوصون في تفاصيل الأمور ليسوا عميقين بالضرورة.. إنما قد يكونون فضوليين بكراهية، فهناك من يجيد طرح الأسئلة وملاحقة التفاصيل، لكنه لا يحسن فهم إجاباتها، وهناك من يلاحق تفاصيل الأمور للإساءة لها وليس فهمها أو التعلم منها.. في مقابل ذلك هناك من يهتم ويفهم ويحسن التعامل مع التفاصيل. أحيانا هناك حد رقيق فاصل بين نقيضين، أحدهما عظيم والثاني خلاف ذلك تماما.. مثل النقيض الذي يظهر بين المتشظي في التفاصيل وبين المنساب بها.
أين أنت من التفاصيل؟.. هل أنت في هامشها، أو في عقدها الشائكة، أم في عمقها وجوهرها بكل جنوح.. فالحد الفاصل بين الشخص الذي يغوص في التفاصيل وبين الذي يغرق فيها، قد يكون رفيعا جدا.. فكما يقال بين الجنون والعبقرية شعرة واحدة.. وهذا ما يحدث بين تفاصيل العميق المترفع أو العبقري، وبين تفاصيل الأقل ذكاء وخلقا.! «إنسان التفاصيل» شخصية جذابة أخاذه على (أقل وصف).. فهذا النوع يحسن انتقاء كلماته في أي موضوع ينطق به، بل وتوقيته ونبرة صوته ومكانه الذي يتحدث منه.. إنسان التفاصيل، يفهم مسبقا إلى أين ستؤول له الأمور في بعض القضايا؛ لأن لديه نظرة بعيدة تتجاوز قدرة الأشخاص العاديين، لذا هو يفهم جيدا متى يتجنب بعض التفاصيل ويزهد بها (مهما كان غموضها وأهميتها عنده)؛ لأنه يعي أن فض غموضها أحيانا سيظهر قبحها أو لوثها، وذاته ومشاعره تنشد السمو عن ذلك.. «إنسان التفاصيل» شخص يعي جيدا متى يقترب من العمق ومتى يختار أن يكتفي بالسطح أو القشرة أو المنظر الخارجي للأمور والأشخاص.. شخصية من هذا النوع غالبا تستطيع أن تقدم نفسها وأفكارها ومنطقها بل وحتى مشاعرها بطريقة استثنائية.. لا أكثر متعة من الإنصات أو القراءة لشخص يتحدث بطريقة غير تقليدية بتفاصيل عميقة لا تشبه الكثير، ولا يجيدها إلا المتفردون.. لا أكثر إغراء أيضا من استقبال وفتح هدية مقدمة من «إنسان التفاصيل» فهو يحيك تفاصيل تقديمها وانتقائها بعناية فائقة لا تغفل عن أي تفصيل بسيط.. تاريخ، وقت، كلمات، طقوس تقديم، ختام.. وهذا جزء بسيط من التفرد الذي يصعب منافسة إنسان التفاصيل به، لكنه بالتأكيد يحمل عمقا وجمالا وتفردا أبعد من ذلك بكثير..
قد يكون الاهتمام بالتفاصيل والعمق والتفرد في فهمها وانتهاجها بفن «أمر فطري» أو موهبة تبزغ بسبب التكوين الخلقي والجيني للفرد، لكني أعتقد أن مثل هذا النوع من المهارة والفن يمكن اكتساب الحد الأدنى منه بالاهتمام والتعلم.
قد يكون الاهتمام بالتفاصيل والعمق والتفرد في فهمها وانتهاجها بفن «أمر فطري» أو موهبة تبزغ بسبب التكوين الخلقي والجيني للفرد، لكني أعتقد أن مثل هذا النوع من المهارة والفن يمكن اكتساب الحد الأدنى منه بالاهتمام والتعلم.