وإن بحثنا عن أسباب ذلك العزوف، فإن أبرزها تكمن في انخفاض الأجور في القطاع الخاص، والامتيازات المتعددة في القطاع الحكومي، وضمان استمرارية العمل بغض النظر عن الإنتاجية، وعدد ساعات العمل والإجازات الطويلة وغير ذلك من الأسباب المقنعة في ظاهرها والتي تحقق للشاب الاستقرار الوظيفي.
من جهة أخرى، فإن هناك أمثلة حية على نجاح تجربة الـ (توطين) نجاحا يوحي بالتفاؤل في تحقيق نجاح آخر في مجالات أخرى. إذ إن أول القطاعات الاقتصادية التي شهدت الـ (توطين) هي البنوك، فقد تدرجت في برنامج التوطين حتى اقتربت من الاكتمال، واليوم أصبح من الطبيعي أن تشاهد أن النسبة الغالبة من العاملين في البنوك هي من السعوديين.
ولتشجيع العمل في قطاع التجزئة، لا بد من توفير الأمان الوظيفي للشباب والعمل وفق قاعدة الثواب قبل العقاب عن طريق تعدد المزايا وزيادة الحوافز المشجعة للالتزام والإنتاجية، ودفع الشباب للشعور بأن ما يتطلع إليه في القطاع الحكومي قد يجده في القطاع الخاص.
وهناك باب قد يغفله البعض، لكن تأثيره ضاغط على الشباب، وهو الاستفادة من المزايا التي توفرها مؤسسات الإقراض وشركات البيع الآجل والتسهيلات البنكية، إذ إن الراتب الحكومي يعتبر ضامنا لكل تلك المؤسسات. ويمكن معالجة هذا الباب بإيجاد آلية معينة لصرف رواتب القطاع الخاص من خلال البنوك وعن طريق وزارة العمل مباشرة.
هذا يعني بالضرورة إيجاد إدارة مستقلة في وزارة العمل تتولى إدارة الموارد البشرية في القطاع الخاص يتم تزويدها بتقارير الرواتب الشهرية من المنشآت الصغيرة والمتوسطة وربطها بنظام البصمة الخاص بالحضور والانصراف في تلك المنشآت، أي إن هذه الآلية تربط الجميع بالجميع.
وإذا ما تم إيجاد الآلية المناسبة لهذه الخطوة، فإننا نحمي التاجر ونحمي الموظف ونشجع التوطين، وسنشهد بالتأكيد انحسار الخلافات العمالية وتخفيف الضغط عن مكاتب العمل، والأهم نقضي على السعودة الوهمية التي تشوه النشاط الاقتصادي في المملكة.