لن تتصالح مع واقعك الاجتماعي والثقافي في حال كنت ترفض الجزء الذي يخالف معتقداتك.. عليك أن تعي أن قيمك ومبادئك واتجاهاتك في الحياة هي شأن خاص بك وحدك أنت الملزم بها، وليس الآخرين.. إن كنت تنزعج من سلوك أو أفكار تتعلق بالآخرين بشكل خالص، فأنت في حالة برمجة فكرية تعيق وعيك عن التوسع.. هناك عقول مقيدة بفكرة «تصنيف الآخرين» على الدوام، وبالتالي الحكم عليهم.. وهؤلاء جذور علتهم متأثرة من طريقة تربوية عتيقة، تضع نموذجا أخلاقيا معينا في إطار الصحيح والمقبول، وما عداه هو في مرتبة أقل أو متدنية من الأخلاق!! هناك أيضا من يمارس حالة النقد والسخط على سلوك الآخرين، لاعتبارات يراها أخلاقية أو دينية من وجهة نظره، ليشعر بحالة نفسية أفضل؛ كونه يقنع نفسه والآخرين بأنه في مرتبة أخلاقية أرفع من الآخرين، ذلك أن علة النقص تجتاحه بعنف وهذه أحد طرق ردمها أو تهدئتها..أيا كان هدفك النفسي أو الاجتماعي أو حتى العقدي من نقدك للآخرين والحكم عليهم، أنت في مرتبة وعي وأخلاق متدنية.. بل أنك في حالة تراجع حضاري وثقافي ضار بنفسك ومحيطك، فالحياة والمجتمعات في حالة تغير مستمر، وستجد نفسك بمرور الوقت في حالة هامش وشذوذ عن الوضع الطبيعي.. بل الأقسى من ذلك أنك ستتغير ولكن في محيط اجتماعي وثقافي لن يحترم ماضيك الفكري والسلوكي، أنت الذي اخترقت أخلاق الناس وطعنتها، ونصبت نفسك رقيبا وحسيبا على أفعالهم!!
ليس كل ما يعرض أمامنا في الحياة مقبولا أو مستحبا لنا، وهذا ينسحب على سلوك الآخرين.. الأشخاص المترفعون ينتهجون سياسة «التجنب» وليس الرفض.. فكل أمر أو سلوك أو وسط اجتماعي لا يروق لهم، يتجنبونه ولا يرفضونه، لأن الرفض والسخط مؤذية نفسيا لصاحبها قبل الآخرين.. الرفض والكره وإطلاق الأحكام على الأشخاص والقضايا، سلوك متطرف، يخلق فائضا ونواقض في الشعور.. وهذه العلة تزج بصاحبها في بوتقة ضيقة من السلام والعيش بطريقة صحية هانئة.. كفى بالإنسان نفسه، يهذبها ويصلحها وينتقدها ليقوم اعوجاجها.. الحياة خلقت بميزان عدلي متزن، لذلك الناس متفاوتون في الأخلاق والأفعال والأفكار ولا كامل بينهم ولا ناقص تام، وهذه هي صورة لحياة وما زال الإنسان يحاول أن يكتشفها ويفهم قوانينها وسيرورتها.. ومن يحاول التدخل في طبيعتها بالتغيير أو الرفض أو حتى الفرض، إنسان بنصف عقل.عندما ترتفع نسبة التقبل عندك لكل ما هو مختلف عنك وعن أفكارك، أقصد «التقبل وليس بالضرورة الاقتناع» تصبح خياراتك في الفهم والتعلم والتعايش أفضل.. الرفض التام في كل أمور الحياة هو درجة من درجات التطرف وعندما يتعلق الأمر بالأفكار والمعتقدات والأحكام فإن الرفض يرادف اليقين.. واليقين مع الحياة هو أحد درجات الجهل.. لتفهم أن الحياة لا تتماشى مع قاعدة الرفض ولا اليقين..