هذه المقولة وسواها من المقولات التي امتلأت بها خطابات المثقفين والسياسيين العرب على مدى عقود من الزمن، لم تكن تشير تصريحا أو تضمينا سوى إلى المجتمع الخليجي بمثقفيه ومبدعيه وسياسييه ومفكريه، في دلالة على النظرة القدحية والانتقاصية التي اتسمت بها تلك الخطابات والمواقف المختلفة سواء لدى المثقفين القوميين أو اليساريين أو العلمانيين.
تلك الصورة القدحية ترسخت مع تشكل الأحزاب السياسية منذ الأربعينيات، وتطورت لاحقا كنظرة عامة جرى تداولها في مجال العلاقات الاجتماعية والثقافية والفكرية والإبداعية، وأصبحت صورة الخليجي هو كل من يمثل الهامش بينما صورة الآخر العربي هو كل من يمثل المركز، فما دام الخليج يملك النفط والمال والغنى والعرب الآخرون محرومون منه، فالثقافة والفكر والسياسة والتنوير بشكل عام هي من اختصاص المركز وليس الهامش. وهكذا جرى الأمر دون أن يؤدي ذلك إلى صراع أو نزاع، بل كانت مقولات الوحدة العربية هي في وجدان الشعور العربي ومغذيه، وهو المحرك للعلاقات الاجتماعية والثقافية وحتى السياسية، رغم النزاعات التي تجري من هنا وهناك. قد يبدو كلامي للبعض محاولة لضرب أسفين «شق الصف العربي»، وهي من باب من يزيد الطين بلة، فهذه العلاقات هي الآن من الهشاشة بمكان بحيث لا تتحمل مثل هذه المحاولات. لكن ما أريد الإشارة إليه في هذه المقالة هو التالي: صحيح أن الحقيقة التاريخية التي لا يمكن إنكارها على الإطلاق، والتي تقول: إن العواصم العربية من بغداد ودمشق والقاهرة وبيروت هي مصدر الإشعاع المعرفي والثقافي والفكري والإعلامي والسياسي لدى العرب منذ مطالع القرن التاسع عشر، وعلى امتداد القرن العشرين، وصحيح أيضا أن الحراك الاجتماعي الثقافي والكوادر البشرية العلمية والعمالية في تلك العواصم، والذي كان ينمو بمنأى عن المؤثرات السياسية سواء في الأوساط الجامعية أو خارجها، له تأثيرات كبيرة على تطور المجتمع الخليجي ودوله. غير أن الحقيقة التي لا ينبغي إغفالها أيضا أن الدول الخليجية كبرت عن الطوق، فدولة مثل الإمارات العربية المتحدة لا يمكن إحالة تطورها وازدهارها كدولة تمثل الأنموذج في النظرة إلى المستقبل والطموح إلى بناء مجتمع قادر على مواجهة تحديات العصر، إلى مجرد توفر المال من خلال اقتصاد ريعي نفطي كما تطرح في الأدبيات السياسية العربية، أو غيرها من المقولات التبخيسية. لكن الحقيقة خلاف ذلك، فمن يقرأ بعين فاحصة للتاريخ يجد أن تجربة الشيخ زايد -رحمه الله- في بناء الدولة أوصلت المجتمع الإماراتي إلى ما هم عليه، وهي تجربة رائدة ينبغي النظر إليها بعين الاعتبار والدرس، ففي وقت كانت الأحزاب السياسية العربية تتنافس في صراعها للوصول إلى السلطة، وفي وقت كانت مقولات العلمنة والديمقراطية والليبرالية مجرد شعارات ترفع ومن ثم توظف بطريقة أو بأخرى في هذا الصراع أو ذاك، كان الشيخ زايد ومن ثم أبناؤه، يحققون معادلة بناء دولة عصرية دون المرور بحزب سياسي أو عقيدة إيديولوجية في السياسة، فهل كل هذا يحال إلى فرضية الحماية الخارجية وليس إلى عوامل ذاتية نابعة من إرادة المجتمع الإماراتي نفسه، أم إن هذا لا يستقيم ومقولة الرجعية العربية؟!