¿ كيف يمكن للفنان أن يصل إلى العالمية؟
- مواصفات العالمية معروفة: الاجتهاد المتواصل والصبر الطويل على التمرين والاكتشاف وتجويد الأداء، بالإضافة إلى الاطلاع على كل ما هو جديد في العالم، حيث يكاد يوم الفنان بكامله يكون مخصصا لعمله، ولا مكان للصدفة معه، كما لا يمكن للموهبة وحدها أن تحقق قيمة حقيقية إن لم يكن فيها علم ودراسة ومواظبة وتمرين متواصل وعمل وبحث.
¿ من خلال تجربتك الغنية، كيف يمكن لنا أن نكتشف الموهبة لدى الطفل وكيف نصقلها؟
- أعتقد أن الإنسان خُلق في أحسن تكوين حتى لو كان لديه إعاقة، فالإنسان كامل حتى لو ولد بأشياء منقوصة طالما كان عقله سليما، وقد لمست ذلك عند طلاب لدي، برأيي لا يوجد طفل غير موهوب، لكن علينا أن نعرف مفتاح الطفل ومعرفة موهبته وكيف نديرها.
¿ هناك لحظة فارقة أثناء عزفك كأنك خرجت من العالم الذي نعيش فيه وتوحدك مع العود.. كيف يمكن للفنان أن يصل إلى هذا المستوى الرفيع من الإبداع والفن والأداء؟
- ينبغي أن يكون لدى الفنان وعي عميق بطاقته ليتمكن من إظهار أفضل ما لديه للناس، فالإنسان يمتلك طاقة إيجابية جدا ومضيئة، لذلك ينبغي أن يطهر جسده من الكره والخمر والنيكوتين ومن المشروبات الفاسدة ومن كل ما يؤثر سلبا في جسده ويشوه روحه، هذه الطاقة يحتاجها الفنان على المسرح، وبدونها يتشوه فيقدم عرضا جيدا ولكن دون التأثير العميق.
¿ كم استغرق منك الوقت لتعثر على هذا العدد الكبير من العازفين (35 عازفا) لتكون هذه الأوركسترا المنسجمة مع العود؟
- كلهم تخرجوا من عندي في «بيت العود» وأعرفهم فردا فردا، ولدى الكثير منهم نجاحات في بلدانهم وفي أوروبا، وهم منتشرون اليوم لكل منهم مشروعه الخاص، ولكن عندما أستدعيهم، يتركون كل شيء ويأتون للمشاركة لأنهم يعرفون أن «بيت العود» هو بيتهم الحقيقي الذي تربوا فيه وتخرجوا منه.
¿ ماذا يضيف وتر ثامن للعود؟ وما الفرق عندما كان العود بأربعة أوتار فقط؟
- كان العود قبل زرياب بأربعة أوتار فقط، فأضاف زرياب الوتر الخامس، ثم أضاف محمد سالم بيك الوتر السادس قبل 180 سنة، وفي عصر القصبجي أضيف الوتر السابع، وعزف على العود السباعي روحي الخماش وقدمه للجمهور، وأنا نفذت العود المثمن (إضافة الوتر الثامن) وهو ليس من اختراعي بل هو عود الفارابي، فمنذ أكثر من ألف سنة خطط الفارابي هذا العود بثمانية أوتار وأهداه إلى الوالي، وقد عثرتُ على المخطوطة وقمت بتحقيقه عام 1986 وأنا طالب، وقدمته في بغداد، وكان بمثابة أطروحة دكتوراة لأنه بحث استغرق سنة من البحث، وسنة أخرى في صناعته.
العلم الفلسفي الذي طرحه الفارابي لهذا العود هو أن يستوعب كل الأصوات البشرية: الباص والتينور والألتو والسوبرانو والميتاسوبرانو، والبشر يقعون في نطاق هذه الأصوات، وكلها يستوعبها العود المثمن، وهو اختراع عبقري للفارابي يكاد يجمع كل أوكتافات «آلة القانون» التي اخترعها الفارابي أيضا.
¿ كيف إذن يعتبر الغربيون «الربع تون» عيبا في الموسيقى الشرقية؟
- كان الربع تون موجودا عند الغربيين أيضا وقد منعه «باخ» عندما قال إن «الربع تون» لا يخلق الانسجام بين آلات الأوركسترا، إلا أن «باخ» خلق موسيقى أخرى لذلك يُسمى أبا للموسيقى لأنه استطاع أن يغير تراث أوروبا والغرب ويجعلها سيمفونية.
لكن العلم اليوم في الموسيقى والجاز والبوب ميوزك أعطى الموسيقى إمكانية أن تفعل أي شيء لأن الزمن تغير، فمن قبل كانت القوانين صارمة أكثر في موضوع الانسجام بين الآلات، إلا أن مرحلة الحداثة صار بإمكان الموسيقي أن يفعل أي شيء، لذلك من الممكن أن يكون لـ«الربع تون» طعم جديد في الموسيقى.
¿ كيف يمكن للموسيقى أن تكون في خدمة الإنسانية؟
- كل شيء في هذا العالم يمكن أن يستخدم في الخير أو الشر، فمن خلال حفلاتنا استطعنا أن نساهم في إجراء عمليات قلب مفتوح لمجموعة كبيرة من الأطفال، وتم علاجهم في بنجلور في الهند، حيث قدمت كلفة عملياتهم دولتا الإمارات والبحرين، وقد طلبتني اليونيسكو كسفير وكذلك منظمة اللاعنف الدولية والصليب الأحمر والهلال الأحمر لأكون سفيرا لهم! في عام 2017 نفذنا 1700 عملية قلب مفتوح لأطفال كان ينتظرهم الموت، هذا غير ما قدمناه لأهلنا، وهو واجبنا، كذلك هناك جمعية أخرى تعنى بالنازحين في الموصل والرمادي والأنبار.
¿ كيف تصف زيارتك للمملكة؟
- أنا سعيد لوجودي في المملكة، التي أمتلك فيها عددا كبيرا من الأصدقاء من شعراء وروائيين وفنانين تشكيليين، أعتقد بأن مركز «إثراء» سيثري الشخصية العربية والسعودية وضيوف المملكة. وسيفتح الآفاق إلى فهم آخر للحياة.