كان عام 2018 حافلا بالكثير من الاحداث السياسية والاقتصادية والامنية. إلاّ أن موضوع الارهاب وتجلياته و تداعياته يظل هو الشغل الشاغل للعالم ولوسائل الاعلام فيها، تتصدر اخباره الشاشات والصحف وصفحات مواقع التواصل الاجتماعي. فلم يعد أي بلد في مأمن ومنأى عن الإرهاب، ولم يقتصر الارهاب على دولة بذاتها او اقليم بل تعدتها لتطال العالم اجمع. فقد اصبح الارهاب هو الظاهرة الاخطر في العالم واصبح الدم هو نشيد الارض الدائم. ويمكن القول ان عام 2018 شهد تراجعا كبيرا لتنظيم داعش الارهابي على الارض وانحسر نفوذه الى اضيق الحدود سواء في سوريا او العراق، وذلك بعد تكثيف الهجمات الجوية من التحالف الدولي على معاقله. الا ان التنظيم بعد التضيق الامني عليه وعجزه عن توسع نشاطه، تحول في استراتيجيته الى اللامركزية، بحيث تحول التنظيم إلى فكرة عابرة للحدود «مظلة أيديولوجية» يعتنقها و ينضوي تحتها ويمارس مقتضياتها من أعلن ولاءه للتنظيم وان لم ينتسبوا له تنظيميا. فالعمليات التي تم توجيهها في أوروبا وآسيا والولايات المتحدة في السنوات الأخيرة، تم تنفيذها عن بعد من خلال الإنترنت وعبر تطبيقات مشفرة والذي يتم من خلاله كذلك تدريب المنتسبين الجدد. وهذا ما وصفها بيتر بيرغن، محلل شؤون الأمن القومي بـ"حشد مصادر للجهاد"، اي يتم حشد الاتباع من خلال بث رسائل عبر الاعلام للمتعاطفين مع التنظيم داخل تلك الدول لتنفيذ هجمات فيها حتى وان لم ينتسبوا له تنظيميا. وقد صرح بهذه الفكرة أحد منظري الجماعات المتشددة ويدعى أبومصعب السوري في كتاب له بعنوان: (دعوة المقاومة الإسلامية العالمية)، وهي ما عرفت عالميا بلقب «الذئاب المنفردة» أو «الذئاب الوحيدة»، وهي في واقع الأمر جزء من خريطة أوسع لما يعرف بـ«الخلايا النائمة». ويؤرخ المهتمون بملف الحركات الجهادية إلى عام 2001 كبداية لبزوغ تكتيك "الذئاب المنفردة". ولعل اوضح مثال على اسلوب الذئب المنفرد هجوم أورلاندو، أسوأ هجوم وقع على الأراضي الأمريكية منذ هجمات 11 سبتمبر عام 2001، والذي وقع في داخل نادي ليلي للمثليين في أورلاندو في ولاية فلوريدا في يونيو2016م ، وادى إلى مقتل وجرح عشرات المدنيين الأبرياء. فعمر متين الامريكي من أصول أفغانية منفذ الاعتداء قد تصرف بمفرده في التخطيط للمذبحة رغم اعلانه الولاء لتنظيم داعش، فهو لم يكن يخضع الى التنظيم ولم يكن يستلم منه التعليمات بل قام بالتخطيط والتنفيذ ضمن إمكاناته الذاتية، وتحرك بتأثير من دعاية التنظيم. وتكمن الخطورة في هذا التحول في ظاهرة الارهاب، هي صعوبة متابعتها أمنيًّا وذلك لنقص أو غياب المعلومة، لان الفكرة هي التي تلعب دورا في جذب هؤلاء الذئاب ويصعب على الاجهزة الامنية مقاومة الفكرة بالفكرة، وكذلك لان غالب الاشخاص الذين ينتمون لها هم أشخاص غير معروفين للجهات الأمنية.
اعتقد ان عام 2019 هو رعاية مرحلة الاحتضار للإرهاب على الميدان، لكن التحدي الاكبر هو كيفية تحجيم توسع ظاهرة «الذئاب المنفردة»، التي باتت خطرا حقيقيا، من خلال تكثير التعاون الاستخباراتي بين الدول عبر تشديد المراقبة الامنية حول العائدين من أرض الميدان في سوريا والعراق، وكذلك إلكترونيا عبر مراقبة المحتوى الكتروني والدعاوى الإرهابية لتجنيد أو صناعة ذئاب منفردة عبر شبكات الإنترنت. فالفكر الارهابي المتطرف لم يعد قاصراً على دولة بعينها ولكنه اصبح فكر عابر للحدود والقارات مما يستدعي حشد دولي وتحرك جاد نحو محاربته والتضيق عليه في جميع الميادين.