نعم، لماذا الإصرار على إقامة المهرجان في مكانه الحالي، وما الدوافع لهذا الإصرار؟، نترك الإجابة عن هذين السؤالين لمن بيده الأمر، لكن ماذا عن اللجنة المنظمة لمهرجان «التمور المصنعة» في الأحساء؟، أليس من المفروض أن تكون لهذا المهرجان تحديدا لجنة مختصة مكونة من أمانة الأحساء والمجلس البلدي وفروع وزارات الزراعة والتجارة والصناعة، وجامعة الملك فيصل وهيئة مشروع الري والصرف والغرفة التجارية وأحد المزارعين من ذوي الخبرة؟، لتكون القرارات المتخذة حول هذا المهرجان قرارات مكتملة الأركان، فالقرار الفردي مهما بلغ الحرص فيه فلن يكون حتما أفضل من القرار الجماعي، والهدف في النهاية هو خدمة التمور بشكل يضمن حقوق المزارعين والتجار في الوقت نفسه، فتدني أسعار التمور التي يحصل عليها المزارعون، وارتفاع الأسعار التي يحصل عليها المصنعون أمر يدل على خلل لا بد له من علاج، ووجود لجنة للمهرجان بهذا المستوى كفيل بحل مثل هذه المعضلة وغيرها من المعضلات التي تواجه المهرجان، ومنها المكان، وسوء التنظيم، والارتجال والارتباك في مواقف السيارات، ثم أين مهرجان «النخيل والتمور» الذي أعلن عنه عام 2014. ثم ابتلعه مهرجان التمور المصنعة، الذي لا هدف له سوى الربح، دون الالتفات لنشر الوعي الزراعي في مجال النخيل ومنتجاتها ومنها التمور؟
وهذا يعيدنا إلى ما سبق أن ذكرناه عن مدينة الملك عبدالله للتمور، هذه المدينة التي أرادت لها الدولة أن تكون عالمية، فقصرت جهود الجهات المعنية عن تحقيق هذه الغاية بحجة القصور في التمويل، وهي حجة تعني عجز هذه الجهات عن الحصول على هذا التمويل، هذه واحدة، والأخرى: التجاهل لهذه المدينة في مثل هذه المناسبة، وأقصد افتتاح مهرجان «التمور المصنعة» في أرض المعارض، وفي كل عام نتوقع أن يقام المعرض في مكانه الطبيعي وهو مدينة التمور، لنكتشف أن الغرفة التجارية قد حازت على هذا الشرف الرفيع دون وجه حق، فما المنشآت التي توفرها أرض المعارض ولا يمكن أن توفرها أرض مدينة التمور؟ إذا عرفنا أن الداعمين للمعرض يقدمون الملايين، وبها يمكن أن تقام المنشآت نفسها على أرض المدينة وتفيض، وهنا يتكرر السؤال عن سبب الإصرار على إقامة المهرجان في أرض المعارض، رغم أن مدينة التمور توفر ميزات لا توفرها أرض المعارض، ومنها -كما قلنا- مواقف السيارات، وسهولة الوصول، وتلاشي الازدحام المروري، والموقع الذي يتيح لأبناء دول الخليج الاستفادة من المهرجان، واقتناء التمور بسهولة ويسر، أثناء مرورهم الحتمي في الذهاب والإياب.
هل يريد المسؤولون أن نذكرهم بوعودهم البراقة عن مدينة الملك عبدالله العالمية للتمور، كأكبر مدينة للتمور في العالم، تتوافر فيها خدمات كبيرة ومذهلة.. بنوك وفنادق وبورصة ومراكز تجارية وتقنيات حديثة، ومصانع تعبئة وتغليف، ومكاتب لشركات النقل ومختبرات مراقبة الجودة ومراكز تدريب وقاعة مؤتمرات ومعارض للنخيل والتمور.. وأشياء وأشياء، ومئات الملايين لإنجاز المشروع.. فأين هذه الوعود التي ذهبت أدراج الرياح، لتظل المدينة عرضة لزحف الرمال، ومأوى للقطط والكلاب في معظم شهور السنة، باستثناء بضعة أسابيع هي وقت «الحراج» على التمور بعد «الصرام». ولماذا لا تكون البداية بتفعيل العمل في هذه المدينة من خلال إقامة هذا المهرجان فيها؟
لعل ذلك يكون فاتحة خير على المدينة، لتصبح سوقا مركزية دائمة للتمور، بإمكانياتها الحالية، حتى تكتمل منشآتها الأخرى.
تفعيل العمل في هذه المدينة لا يحتاج لمعجزة، بل يحتاج لإرادة، ولو توافرت الإرادة لأمكن ذلك بأقل الإمكانيات وبأقل التكاليف، ومنها الاستفادة من الدعم المقدم لهذا المهرجان، والتعاون مع الجهات الرسمية والأهلية لتقديم كل ما يمكن تقديمه للتسريع في إنجاز الإنشاءات المساعدة لتشغيل المدينة على مدار العام، خاصة وقد تم تنفيذ الكثير من مرافقها، لتكون واجهة حضارية بارزة كما أرادت لها الدولة أن تكون، وحتى لا يذرف الفلاح دمعة ندم، لأن جهده لم يقدر، وتعبه الطويل لم يأته بالمردود المادي المناسب.