واسمحوا لي أن أؤكد مرة أخرى أن الشهرة ليست مقياسا للعلم أبدا!، فقد ألف الفيلسوف الألماني المتشائم شوبنهاور كتابه «العالم كإرادة وتصور» ولم يبع منه إلا نسخا قليلة جدا، وكان يتفقد المكتبة بشكل دوري ليرى كم كتابا قد بيع له؟ ولكن بعد فترة كان من المؤثرين في الفلسفة على مستوى العالم. ومن غريب ما قرأت أن العالم النحوي محمد بن عبدالله بن مالك الطائي كان يخرج من بيته ويقول: من يريد أن يتعلم العلم؟! فلا يجيبه أحد، فيقول: اللهم بلغت اللهم فاشهد، ثم أصبحت ألفية ابن مالك نارا على علم.
ومن طريف ما قرأت أيضا قصة عباس محمود العقاد -رحمه الله- مع مطرب مشهور في زمنه. حيث قال المطرب: أبلغ العقاد أنه لو نزل للشارع ونزلت أنا إليه، فانظر عدد الذين سوف يلتفون حولي وحوله!، فرد العقاد على ذلك بقوله: لو نزل ذاك المطرب للشارع ونزلت راقصة ترقص وتتمايل، فهل سيجتمع الناس إليه أكثر أم إليها؟!
وأكيد أن عالم الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي سهلت الشهرة وزينت حب الظهور!. وأسهل شيء هو الشهرة الساذجة التي لا تحتاج إلى تعب وجهد وعلم. وهي كالشهب في السماء تظهر فجأة ثم تختفي بسرعة، فهؤلاء ليسوا كالنجوم من العلماء والأدباء الذين يبقى علمهم وعملهم نبراسا للناس تقتدي به، ويستفاد منهم جيل بعد جيل. ولذلك علينا أن لا نخلط بينها وبين العلم والقدوة.
والبحث عن الشهرة لذاتها هو شيء خفي في نفس الإنسان، وهناك من يحاول أن يدافع ويبتعد عنها بقدر الإمكان؛ لمعرفته أن بداخلها خواء وصراع أهواء. ومن جميل ما سمعت ما قاله الشافعي -رحمه الله-: وددت أن الناس تعلموا هذا العلم -يعني كتبه- على أن لا ينسب إلي منه شيء. وللأسف على النقيض من ذلك هناك من يبحث عنها ولو في جحر الضب!.
ولعل من الأسباب في حب الظهور والشهرة هو الخواء النفسي والروحي، أو النرجسية الطاغية، أو النهم وراء المال والثراء أو حب التقليد وأن يكون مثل فلان!. وأما الأسوأ، فهو الذي يبحث عنها حسدا للآخرين، وتلك معضلة تحرق الحاسد قبل المحسود.
إذًا العبرة ليست بالومضة السريعة للشهرة التي لا تنير دورب العلم، ولا تزيد في المعرفة، ولا تترك أثرا صالحا، بل العبرة بعلم وأدب ينتفع به.