في الواقع، إن أغلب مجتمعات العالم الثالث لا تعالج المشكلات إلا بعد وقوعها، ولكون المشكلات المزمنة تتطلب أوقاتاً طويلة لحلها، أو للتقليص من الآثار الضارة لها على الناس والحياة بصورة عامة؛ فإن أوضاعها تصبح معقدة، وطبقات تداخل آثارها يجعلها عصية على الحل. ولنأخذ فيما يأتي المراحل التي قد يتعرض إليها مستخدمو الأجهزة الإلكترونية بصفة دائمة، على تباين بين الناس في قدرتهم على تجاوز هذه المعضلات، ومدى تأثرهم ربما لوجود عوامل أخرى تقوي آثارها. لكن الجميع يتعرضون لتحديات صحية بدنية ونفسية بسبب تلك الممارسات.
من المؤكد أن كثيراً من تلك الأجهزة الإلكترونية والهواتف الذكية قد ساعدت الإنسان في العصر الحاضر على حل كثير من العقبات المتعلقة بالحصول على المعلومات، أو التواصل المستمر في حالات كانت صعبة في الماضي؛ لكنها مع هذه الخدمة قد أضعفت قدرته على التركيز الذي كان يتمتع به عندما كان معتمداً على قدراته الذاتية فحسب. كما أدت به إلى حالة من التشتت بسبب إشعاعاتها المؤثرة عن قرب، وتأثيرها في بعض حواس الإنسان كالنظر إلى الشاشات المضيئة أو الاستماع إلى الأصوات العالية، والتعرض في كل ذلك إلى ذبذبات تتفاوت الدراسات في وصف مدى أثرها في الدماغ. ومن تلك الآثار ضعف التفاعل عند مجموعات أجريت عليها بعض الدراسات المسحية، إضافة إلى التدني في مدى الرؤية مصحوباً بحركات لا إرادية للجفنين، بل وإلى تراجع في مستوى الإدراك للأشياء الكلية، مقابل معرفة الجزئيات التي تمطرهم بها تلك الأجهزة من خلال سيل البيانات عند طلبها.
أما حالات الانطواء والعزلة التي أثبتت نسبة كبيرة منها تلك الدراسات الميدانية، فإن أثرها تكاد لا تخطئه العين؛ إذ فضلت الفئات العمرية الأدنى سناً قضاء أوقات أطول مع أجهزتهم الإلكترونية على الاندماج مع الأقران وتبادل الأحاديث والخبرات. كما أصبحوا في سن مبكرة يتعاملون مع أجهزتهم إلى وقت متأخر قبل موعد نومهم، مما يجعل الأرق أقرب إليهم، ويبعدهم عن الحركة وممارسة الرياضة الضرورية للصحة البدنية والنفسية. فهل لا يزال إنقاذ الوضع ممكناً؟!.