وجدت الجبل يدعو بتضاريسه إلى صفاء النفس ونقائها. جبل يمثل كل صنوف عبادات غسل الروح، وتجديد علاقتها بربها. حياة تمثل نبل التعامل مع مكونات الطبيعة. وجدت الجبل استثنائيا في كل شيء. بيوت متناثرة أشبه بخلوات مستقلة للعبادة.
هل كانت بداية العيش في جبل شدا الأعلى، بهدف الوحدة والعزلة والزهد؟ هل عرف مسيرة بعض الأنبياء والرسل؟ هل يحمل أسرارا ذات تأثير في حياة مضت؟ هل استوطنه أبونا إبراهيم وذريته عليهم السلام؟
أجيال تآكلت فتآكل تاريخها، هل كان لزهد يحف بفلسفة تواجدهم في المكان؟ أن تعيش في مكان استثنائي، يجعلك أكثر ارتباطا بالخالق، فهذا يعني أنك تعيش في جبل شدا الأعلى.
لماذا.. إنها الأداة التي بعثرت أوراقي، وأعطت المزيد من الأسئلة، وأرست قواعد فرضياتي ونظرياتي واستنتاجاتي. وجدت مكانا خاليا من سكانه. ساحات البيوت خاوية. كأنها بطون جائعة تنتظر فرج الغذاء. بيوت مهجورة. أين أهلها؟ بقايا نشاط الحياة، يعطي قراءة، بأن شيئا قد حدث. شيء جعل النفوس تجفل من المكان.
هل لأن المكان يسود عليه الطابع الروحي؟ هل تبدد صفاء النفوس ونقاؤها مع رياح التغيير؟ هل تعطلت صلاحية بيئة الجبل الروحية؟ هل فقد النّاس حاجتهم إلى مكان مُلهِم للروح والجسد؟ هكذا ظهرت تساؤلات وأسئلة البحث عن إجابات.
تأخذك مقومات الحياة في جبل شدا، إلى منعطف العبادة، والزهد المستدام. ذلك في شح العطاء. حيث الزراعة لا تتعدى ضمان الحياة لعابد زاهد. إن تواجد الناس، وهم قلة في المكان، جزء من حديث الروح مع خالقها. حديث لا يجيده البعض. كنتيجة تسربوا في هجرات لم تتوقف. بقي منهم من تبنى رسالة بيئة الجبل. في زمني وجدت الجميع قد غادر المكان نهائيا، وذلك قبل وصولي. لماذا تعثر ذوبانهم في البيئة؟
وجدت جبل شدا الأعلى أشبه بنغمة مزاج، تغسل النفس. لا يدرك أمرها إلا من عرف العلاقة، بين تناغم الأشياء. كان عطاؤها يعزز روح الإنسان النقية وتعلقها بخالقها.
بجانب الإنسان الشدوي، سادت شجرة البن الشدوية. عندها أدركت أنها في الأصل شجرة جبلية أصيلة. وظيفة محصولها إرواء عطش النفس واسترخائها، وتحقيق سكينتها في هذا الجبل. شجرة لتقويم مزاج العابد الخاشع. وقبل أن تجفل هي الأخرى من المكان، كانت تحتل مساطب قليلة، ذات مساحة محدودة، غنية بتربة كانت حية ومعطاء، لتعزيز ما يسد حياة الرّمق الأخير. شجرة عطاؤها تعزيزا لوظيفة المكان. مشروب البن يجعل من المزاج آلة عطاء. الصفاء ثمرته النهائية.
لا مرض يأتي في ظل عزلة مكانية وزمانية. عاشها ويعيشها جبل شدا الأعلى بكل ما يحمل. تنعدم الأسقام في ظل عزلة كانت سائدة. تَفَرّغ المكان للغنائم الروحية. وعبر السنين تناقص مناصروها حتى تلاشوا من المكان. ويستمر الحديث.