قدم الزميل محمد الخميسي الثلاثاء الماضي حلقة جديدة من برنامجه الذي يعرض في إحدى القنوات الشهيرة، ويستعيد ذكرى بعض الراحلين عنا من الرموز في شتى مجالات الحياة، وقد تناولت حلقة الثلاثاء المغفور له الأديب والمؤرخ والإعلامي الكبير الأستاذ فهد العلي العريفي رحمه الله، الذي رحل عنا في عام 2004م، وقد كانت حلقة ثرية استعرض فيها ضيوف البرنامج ومن بينهم ابناه الأستاذ أحمد العريفي الأديب والمؤلف والشاعر المعروف، والأستاذ خالد العريفي مدير عام مؤسسة اليمامة الصحفية جوانب مهمة من سيرة الراحل، التي أثق أنه يصعب استعراضها بالكامل، ذلك لأن أبا عبدالعزيز -رحمه الله- شخصية استثنائية بكل المقاييس، وتتسع دائرة علاقاته وصلاته إلى أطياف اجتماعية متعددة، وبالتالي يصبح من العسير جدا الإلمام بها، خاصة وأن كل واحد من معارفه وأصدقائه قد يعرف جزءا من سيرته، لكن بالتأكيد ستغيب عنه أشياء وأشياء، في شخصية طاغية الحضور والتأثير، شخصية تزدحم في تضاعيفها آلاف القصص والحكايات والمواقف، وحتى الذكريات الخاصة لأن كل واحد ممن يمكن أن يكونوا شهودا محتملين على هذه السيرة، لا بد وأن يحتفظ لنفسه بأحداث أو مواقف خاصة مع الفقيد قد لا يعرفها سواهما. البرنامج لم يستدع ذكرى الأستاذ فهد العريفي لأن ذكراه في الأساس لم تغب، فهو الحاضر في أذهان كل من عرفوه أو اقتربوا منه أو حتى قرأوا له، وهو الحاضر في وجدان من افتقدوه عندما حزبهم أمر ما، فتلفتوا هنا وهناك يفتشون عنه كما العادة، وحين لم يجدوه على الطرف الآخر من الهاتف، تحسسوا فقده، وتألموه. لكن في الجانب الآخر استطاع البرنامج أن يسجل بصمة وفاء ليس فقط لفهد العريفي -رحمه الله- وإنما لجميع أولئك الراحلين الذين جدد استدعاء ذكراهم، في زمن تقلصت فيه ملامح الوفاء ليس للغائبين عن زخم وضجيج هذه الحياة وحسب، وإنما حتى لمن يستحق الوفاء من الحاضرين الذين أدارت لهم زحمة الحياة ظهرها ليلفهم النسيان.
وبالنسبة لي وأنا أحد تلاميذه غير النجباء، لأنه ليس مسؤولا عن حماقاتي وتقصيري حتى وإن كان لي شرف أن أتتلمذ في مدرسته، أقول بالنسبة لي: ظل، وسيظل فهد العريفي جزءا أساسيا من موجودات قلبي، بله الساكن الأكثر حضورا وهاتفا وبوحا في ذاكرتي، أجده معي حتى عندما لا أجد أحدا سواي، وأسمعه، وأنصتُ إليه قيمة خالدة تظل تمهد الطريق للجميع، وتسويه، وترصفه بالحق والعدل والنزاهة. رحم الله قامة طالما أجبرتنا، ولا تزال، على أن نعتدل في جلستنا حين نتذكرها!.