درس هنا، وفي أمريكا، وفي بريطانيا. وفي كل بلد يكون شاغله خارج بيئته الأكاديمية إما كتاب انتشر، أو مؤلفة، أو مؤلف، لفتا نظره. وأعرف مقدمًا أني سأقضي وقتًا طويلًا مع محمد وكأني وسط صفحات الكتاب، فهو يتبني الكتاب كما يُتَبنى الأطفال، ولا يكتفي فيمتزج مع سلوكه ومزاجه. وله قلب من زجاج يتأثر بأقل ظرف إنساني، ويعيش داخل الحالة الإنسانية ولا يتوقف حتى إما يساعد في حلهّا، أو تستصعب على إمكاناته فيتوقف عنها آسفا.
محمد يتعدى كونه أخًا فهو صديقي رغم فارق السنين، وليس فقط ذلك فإني أثق جدًا برجاحة عقله، فأعود إليه بالاستشارة ومناقشة ما يطرأ علي. ومن حظي أنه وأنا عشنا ببيت واحد، واستمررنا لا نفترق بجيرة واحدة. ومحمد يهمني أن يكون سعيدا، لكن إسعاده ليس سهلًا، فلا تهمه الماديات، فهو أقرب للزهد منها.
نعود لإنجازه المهم والذي بدأ بتغريدة، وهو جالس مع نفسه في أحد المقاهي، ولا شك أن موضوعًا إنسانيًا قريبًا أشغله، وربما مواضيع كُثر، فلمعت بذهنه خاطرة: لما لا يكون هناك فريقان من الناس، فريق «يحلمون» أن ينالوا فرصا أو غرضا يسهل معيشتهم ولا يستطيعون، وفريق آخر يحققون «الأحلام»؟ فكتب تغريدة بهذا الشأن تحت وسم «#على_ناصية_حلم»، ثم اقترحتُ عليه بعد تفاعل المتابعين المتزايد مع التغريدة، أن تتحول «على ناصية حلم» إلى مشروع.. وهذا ما كان.
وأبدع محمد في المشروع وكبرا معا وتغيرا معا، وسخر الله للمشروع نساءً ورجالًا متطوعين، صارت «على ناصية حلم» من نسيج حياتهم الحي، فإحداهن كتبت في تعريف نفسها على صفحتها بالتويتر «تبدلت حياتي على منصة حلم». عشق المنصة مثقفون وأكاديميون ورجال أعمال، وفي ظرف ثلاث سنوات انهمر على الناصية أكثر من أربعة آلاف حلم، وتحقق منها أكثر من خمسمئة حلم. والمنصة لا تقدم مساعدات مالية، فهذا ضد مبادئها. جُل اهتمامها ما يسهل حياة الحالمين أو يرتقي بها.