وفي رمضان تكثر الخلوات والجلسات الفردية مع الذات من خلال قراءة القرآن والصلوات أو انتظار لحظات الإفطار، وهذا الحوار مع الذات مفيد جدا لتنظيم الحياة واتخاذ قرارات إستراتيجية لا يمكن للواحد منا أن يتخذها وهو مشغول الذهن والعمل، فرمضان يعطينا فرصة ذهبية للحوار مع الذات والنفس، وهذا الحوار يجعل الإنسان متصالحا مع نفسه فيراجع أخطاءه ومواقفه وسلوكه ويتخذ قراره الإستراتيجي بالتغيير، فكم من شخص تاب في رمضان وآخر ترك المحرمات وثالث كان رمضان له فرصة لترك الدخان ورابع قرر تخسيس وزنه وخامس قرر صلة أرحامه بعد قطيعة وغيرهم ممن كان رمضان فرصة ذهبية في تغييرهم.
فرمضان شهر التقوى والصبر، والناس في التقوى والصبر أربعة أصناف كما ذكر صاحب مجموعة الرسائل والمسائل فالصنف الأول: هم أهل التقوى والصبر وهم يجمعون بين التقوى والصبر وهم خير الأصناف والذين أنعم الله عليهم من أهل السعادة في الدنيا والآخرة، والصنف الثاني: من عندهم تقوى ولكنهم فاقدون للصبر وهم الذين يصلون ويصومون ويقومون بالعبادات ولكن إذا نزلت عليهم مصيبة أو ابتلاء أو محنة في أموالهم أو أولادهم أو أنفسهم أو في صحتهم تجدهم يخافون ويجزعون ويهلعون وكأن الدنيا انتهت بسبب هذه المصيبة التي نزلت عليهم، والصنف الثالث: من يمتلكون الصبر ولكنهم يفتقدون التقوى وهؤلاء في الدنيا كثيرون، مثل بعض الناس الذين يسرقون ويسعون للرياسة والعلو وعشاق ارتكاب الحرام والصور المحرمة فتجد عندهم صبرا يستمر لمدة سنوات ولكنهم لا يخافون من الله ويعملون المنكرات وهمهم الوصول لهدفهم الشخصي ولو كان فيه ظلم للآخرين، والصنف الرابع: من لا يتقون ولا يصبرون وهذا شر الأصناف، فلا يصبرون عند المصيبة والابتلاء وتجدهم يظلمون الناس ولا يخافون الله وهؤلاء هم أسوأ الناس، ولهذا شهر رمضان المبارك يربي في الإنسان أن يكون من الصنف الأول وهو من أهل التقوى والصبر، ولهذا قال تعالى ( كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون).