الإجابة:
البحث العلمي ليس صالحا للنظر في أمر الدين والتدين، لأن الدين يقوم على الإيمان والاعتقاد، بينما يقوم العلم على ما يُسمى بالشك المنظَّم. وإذا كان الاستقراء هو الوسيلة التي يتبعها العلم غالبا للوصول إلى معطياته، فإن وسيلة الدين هي القياس. فالمعطيات الدينية نتوصل إليها «ابتداءً» من نصوص دينية عامة مقطوعٌ بصحتها المطلقة، ولا تقبل جدلاً ولا شك. فالمنهج الديني يبدأ من الكليات لينتهي إلى الجزئيات.
ودعني أقل لك إن رجلَ العلم «مضطرٌ» أيضًا لأن يبدأ بالتسليم بصحة عدد من القضايا الأولية، لأن الشك في كل شيءٍ لا يؤدي إلى شيء.. إلا أن تسليم رجل العلم بصحة تلك القضايا الأولية إنما هو تسليمٌ مؤقتٌ تقتضيه «الضرورة» العلمية. لذا فإنك لو بحثت في تاريخ الاكتشافات والاختراعات العلمية ترى أن رجل العلم دوما يعيد النظر في مسلماته، فليس بالعلم حقائق قاطعة أو قضايا مسلمٌ بصحتها تسليمًا نهائيًا.
ونستنتج فيما سبق -لو عذرتني- أن السؤال لا ينبغي أن يُطرح أصلا، لأنه لا مجال للمفاضلة بين منهجين مختلفين لكل منهما مجاله الخاص به. وأعيد تأكيد أن مجال العلم هو حيث يمكن تفسير الظواهر الطبيعية بالملاحظة والتجريب، وهو محصور في نطاق المادة الجامدة وما يتعلق بها من قوانين.
وفي محاولة الإجابة عن سؤال: «لماذا حدث هذا؟» لا يبعد العلم عن نطاق المشاهدة والبحث في هذا الوجود الموجود، بينما يتخطى الدينُ معطياتِ الحواس إلى آفاقٍ واسعةٍ رحيبةٍ تشمل الكون كله، وما وراء الكون وإدراك البشر. لذا نجد أنه من الخطأ البالغ أن تُتخذ نظريات العلم التي هي عرضة للشك وسيلة لإثبات معطيات الدين.
ولا ننسى أن المنهج العلمي مربوط بالعقل الذي هو من أعظم نعم الله علينا لقدراته الهائلة.. إلا أنه مربوط أيضًا بحتمية القصور البشري.