اختلفت تجربة داوني عندما كان يبصر عن كونه كفيفا بشكل شاسع واستطاع أن يفهم المدينة بشكل مغاير. فعندما أصبح كفيفا استفاد من التخطيط الشبكي للمدينة لمعرفة اتجاه تنقله. أصبح يستشعر الاتجاهات من إحساسه بضوء الشمس على خده وعرف أماكن التقاطعات من إحساسه بتغير الهواء من حوله. جميعها تفاصيل لا يحتاجها المبصر ولكنها جوهرية للكفيف.
هناك بيئات كثيرة تتمثل فيها الرتابة بصريا ويتضاعف هذا الإحساس لدى المكفوفين عندما لا يستطيعون تمييز الفراغات من خلال المواد مثلا. فالمكفوفون يعتمدون بشكل كبير على الصوتيات وبذلك تصبح خصائص المواد من انعكاس أو امتصاص الصوت مهمة جدا للتفريق بين حيز وآخر.
يرى داوني أنه لو صممت المدن لمكفوفين لاستفاد الجميع. فالمواصفات التي يحتاجها المكفوفون هي إمكانية المشي ووجود شبكة مواصلات عامة ممتازة على سبيل المثال. بذلك تتسع الأرصفة وتترابط المواصلات العامة بشكل جيد.
لكل منا الحق في استخدام المدينة والانتفاع من فرصها والعيش بها بجودة حياة مرتفعة. وإن كانت المدينة الحسية ثابتة إلا أننا نعيشها بشكل مختلف بناء على قدراتنا الجسمانية والحسية وخلفياتنا. للأسف لا أرى في الفضاء العام مكفوفين ولا أجِد الأماكن مهيأة بالشكل المطلوب لهم. وإن وجد في بعض الأرصفة خطوط تساعد في معرفة اتجاه الحركة إلا أنها في مكان ضيق جدا لا يسمح بالتنقل من مكان لآخر.
العائق الأساسي لذوي الإعاقة في المدينة يتمثل في التنقل سواء كان ذلك في الشوارع أو الأرصفة أو المباني والمرافق العامة. فعدم جاهزية المكان تمنع من استخدامه وتعزل ذوي الهمم عن المجتمع.
صدر نظام رعاية المعوقين عام ٢٠٠٠ وفِي نفس العام الدليل التفصيلي لكود البناء الخاص بالاشتراطات لذوي الإعاقة والصادر من وزارة البلديات والشؤون القروية. عام ٢٠١٠ صدر الدليل الشامل للبيئة العمرانية عن مركز الملك سلمان لأبحاث الإعاقة.
اللافت للنظر في هذه المستندات هو أنه بالرغم من تعريف أنواع الإعاقة وذكر العمى كأحدها إلا أن النص العام يشير في الغالب لمن لديه إعاقة حركية ويستعمل الكرسي المتحرك ولا يضع اعتبارات للمكفوفين.
نتعلم من داوني أن البصيرة أهم من البصر، وأنه يجب علينا فهم حاجات وتجارب المكفوفين بدقة لنستطيع تهيئة المدينة لهم. فقط عندها ننتقل من الأدلة والحبر إلى التطبيق والتمكين.