في اللقاء التاريخي الذي جمع على الحق زعماء الدول الإسلامية والعربية والخليجية، بدعوة كريمة من خادم الحرمين الشريفين -حفظه الله- لعقد القمم الثلاث في الرحاب المقدسة، وفي أطهر بقعة على الأرض، في ظلال البيت العتيق. في هذه اللقاءات تتجسد الرغبة الصادقة من قيادة هذه البلاد في أن يظل عالمنا الإسلامي ومنطقتنا العربية وخليجنا الأغر، بل والعالم أجمع، بمنأى عن شبح الصراعات، ووطأة الفتن، وخطيئة الإرهاب، وكل ما يتعارض مع الدين الحنيف الداعي إلى الأمن والاستقرار، بشروطه العادلة، من خلال الحوار الإيجابي بين الأمم والأعراق والأديان والمذاهب، بعيدا عن أوهام التوسع، وتصدير الثورات، والهيمنة على شعوب العالم الساعية لتأصيل قيم السلام والأمن، وحرية وكرامة الإنسان، وفق مبادئ سامية، تحفظ الحقوق، وتصون المكتسبات، وتحقق الرفاهية لجميع الشعوب، ولن يتحقق ذلك ما دامت الأوهام تعشش في عقول مريضة، اتخذت من الإرهاب وسيلة لتحقيق أهدافها التوسعية، فمولت بسخاء ميليشيات التخريب، وحولتها إلى آلات تدمير، تمارس بغباء لا مثيل له، دورها الإرهابي، لترويع الشعوب، وسلاحها في ذلك عنصرية بغيضة، وأطماع جنونية، أدت إلى مواجهة غير متكافئة مع دول العالم المحبة للسلام، التي واجهت تلك الأطماع باستنكار واستهجان ورفض تام.
وفي نطاق منظومة إرهابية معلنة، اندفع ملالي إيران دون هوادة في استقطاب مرتزقة أغراهم المال والسلطة، ليبيعوا أوطانهم، ويرهنوا عقولهم في أيدي من عرفوا بعدائهم التقليدي لكل ما هو عربي، خضوعا لهيمنة عقيدة فاسدة تسمى ولاية الفقيه، وكان لذلك ثمنه الفادح، فكانت النتيجة: هذه الأوضاع المتردية، التي قادت الشعوب الإيرانية إلى المظاهرات الاحتجاجية؛ للخروج من أزماتها الاقتصادية الحادة، وأوضاعها المعيشية التعيسة، وحياتها المضطربة البائسة، وعبر عقود من الزمن، توقفت عقول ملالي إيران عن النظر إلى ما حولهم من تحولات تنموية تعيشها دول المنطقة والعالم، وسدوا آذانهم عن كل محاولات الحوار، ومبادرات التعاون الإقليمي، وقرارات الردع الأممية، فما زادهم ذلك إلا غطرسة وتبجحا وغرورا، واستمرارا في تمويل الأحزاب والميليشيات الإرهابية، لممارسة الإرهاب حتى ضد أقدس البقاع عند المسلمين.. بيت الله العتيق، فرد الله كيدهم إلى نحورهم، وطاشت سهامهم المسمومة لتكون عارا عليهم في نظر جميع الدول الإسلامية، التي أجمع علماؤها ورجال الإفتاء فيها على «وثيقة مكة المكرمة» التي حملت الكثير من مبادئ العدالة والاهتمام بالإنسان، وتمكين المرأة من حقوقها المشروعة، والعناية بالطفولة صحيا وتربويا وتعليميا، كما أكدت على مبدأ التعايش بين الشعوب على اختلاف أصولهم العرقية ودياناتهم ومذاهبهم. باعتبار أن البشر على اختلاف مكوناتهم ينتمون إلى أصل واحد، وأكدت كذلك على رفض الشعارات العنصرية، والتسليم بالاختلاف بين الأمم والشعوب، والتنوع الديني والثقافي في المجتمعات الإنسانية، ومكافحة الإرهاب، وترسيخ القيم الإنسانية النبيلة، والاستفادة من تجارب التنمية الناجحة في العالم. وهذا غيض من فيض مما شملته هذه الوثيقة من مبادئ إنسانية نبيلة، لبناء المستقبل.
(وصدور هذه الوثيقة من جنبات البيت العتيق مهوى أفئدة المسلمين «تأكيد» على أهمية المرجعية الروحية للعالم الإسلامي، حيث قبلة الإسلام والمسلمين، ومصدر إشعاعه للعالمين، برحابها الطاهرة في مكة المكرمة بالمملكة العربية السعوية و«تنويه» بالاستحقاق الكبير لقيادتها السياسية وما اضطلعت به من خدمات جليلة للإسلام والمسلمين والإنسانية جمعاء).
لقاء القمم انعطافة تاريخية في حياة المسلمين، خليجيا وعربيا وإسلاميا، لتكون نتائجها على الجميع - بإذن الله - خيرا وتوافقا ضد الإرهاب ومن يغذي خلاياه، ويحمي ميليشياته، ويمول أحزابه الغارقة في مستنقعات الشر والفتنة.