جميع مياه مطر هذا الجبل تغذي سهول تهامة. هو نتوء فجائي مستقل وحده بارتفاع هائل. لكنه يعمل مع بقية جبال الدرع العربي، كحاجز طبيعي. حيث تفصل بين سهول تهامة على امتداد البحر الأحمر، وبين بقية مناطق المملكة الشرقية.
ترتفع جبال الدرع العربي بشكل فجائي لأكثر من (2000) متر فوق سطح سهول تهامة. لكنها تتدرج بميول جهة الشرق. مكونة فرشة صخرية تغطي أعماق أرض المناطق الداخلية، ونجد هذه الصخور تحت سطح أرض الأحساء بعمق يزيد على (5000) متر.
في بدايتها الجيولوجية قبل (600) مليون عام، تكون انخفاض يشبه حوضا عظيم المساحة، شكل بحرا ضحلا. ثم تعرض لترسبات في ثلاث حقب جيولوجية، استغرقت (9) عصور مختلفة للحياة. إلى أن تكونت اليابسة التي نحن عليها في مناطقنا الداخلية. وهي تشكل ثلثي مساحة المملكة. تحمل ثرواتنا من النفط والمياه الجوفية غير المتجددة. إنها مناطق الصخور الرسوبية.
تلك التركيبة الجيولوجية، جعلت مساحة المملكة أشبه بسد طبيعي للمياه. حيث تمثل جبال الدرع العربي جداره الصلب، بمساحة تعادل ثلث مساحة المملكة من شمالها إلى جنوبها. تمتد على امتداد البحر الأحمر الذي يفصله عنها شريط سهول تهامة. شرق هذا الجدار الصخري الجبلي يقع حوض السد العظيم (حوض الصخور الرسوبية). ويشكل المصب النهائي لمياه الأمطار عبر التاريخ الجيولوجي.
هناك مصبان نهائيان لمياه الأمطار الهاطلة على مساحة الدرع العربي. حيث تذهب مياه الأمطار في اتجاهين. مياه سفوح الجبال غربا تتجه وتصب في تهامة. بينما تتجه مياه السفوح الشرقية نحو الحوض الداخلي، حيث مصبها النهائي. مازالت هذه التركيبة الجيولوجية تقوم بنفس الدور والوظيفة.
قضيت عمري خلال العقود الأربعة الماضية، لفهم أعمق لهذا الموقع الإستراتيجي. إنه تشكيل جيولوجي، وجغرافي، ومناخي بوظيفة إستراتيجية. من السهل استثماره لصالح تنمية المياه الجوفية. لسهول تهامة ولحوض الصخور الرسوبية شرقي هذه الجبال. إنقاذ المستقبل من العطش جزء من وظيفتنا في هذا الزمان. وقد وضعت رؤية استثمار هذا الموقع في كتابين.
في جبل شدا الأعلى تذكرت تلك المعلومات. استعرضتها. وعلى الفور تساءلت عن مياه أمطاره، وعن كيفية استثمارها. لم يجعلوا من المدرجات (المساطب)، وعاء حافظا للماء النادر فقط. فهذا هو السائد في كل مناطقنا جنوب غرب المملكة. ولكن وجدت نظاما مائيا ينبئ بحسن إدارة بيئة الجبل. نظام يمكن تعميمه. وتلكم مهارة ذكية. مهارة هندسية، فنية متقنة الأداء.
وجدت نظاما مائيا فريدا حتى على مستوى العالم. أهلنا في جبل شدا الأعلى توصلوا إلى نظام لتوزيع مياه الأمطار قبل نزولها من السماء. فهل سمعتم بمثل هذا النظام من قبل؟ هذا يعني أن في بلدنا مخزونا تراكميا من المهارات البيئية التي يعول عليها، والتي يمكن استثمارها، لتعزيز أمننا المائي وأمننا الغذائي. جبل شدا الأعلى نموذج آخر جديد اكتشفته في هذه الرحلة. ويستمر الحديث.