لكنني انتصرت لبني البشر، بأن حجة تلك البعوضة المتفلسفة ليست صحيحة على الإطلاق، إذ إن الضرر الناتج عن لسعات البعوض لا يتوقف على امتصاص شيء من الدم وتلك البثور الناتجة عن لسعاتها، بل إن بعض تلك الحشرات، وخاصة الإناث في مناطق وجود فيروس الملاريا، تعد ناقلة لمرض خطير يتجاوز الحكة والألم والاحمرار. ثم إنكم -معشر البعوض- لا تكتفون بالتحليق ليلا فوق أجساد البشر والانقضاض عليها لسعا ومصا للدماء فحسب، بل تصدرون أزيزا يقلق راحة النائم، ويجعل النوم يفارقه، خاصة إذا كثر البعوض، وتبادل الأدوار حول آذان النائمين. أما حجتكم بأن الكائنات الأخرى -عدا البشر- لم تلجأ إلى وسائل القضاء على البعوض جماعيا من مبيدات وصوائد إلكترونية وغيرها، أو استئصال مستعمرات التفريخ في المياه الراكدة، فذلك لأن تلك الكائنات لا تستطيع لوجستيا عمل ذلك.
كنت قد قرأت تأملات بعض الفلاسفة، الذين أرادوا توضيح اختلاف الحكم لدى من يصدره حسب زاوية النظر، والعلاقة التي تربطه بمن يصدر حكما بشأنه. وكانت تلك التأملات تضرب مثالا بأوراق الأشجار الباقية على الأغصان في فصل الخريف، حيث تنظر إليها الأوراق الأخرى التي سقطت خلال ذلك الفصل، وهي الأكثر، بأنها أوراق خائنة، بينما تنظر إليها الأشجار على أنها وفية، في حين تنظر إليها الفصول الأخرى بوصفها متمردة. وأضيف إلى ذلك بأنه ربما ينظر إليها الشخص الرومانسي بأنها رغبة من الطبيعة في خلق ألوان متعددة في المروج وبعض الطرقات، حيث تتعدد الألوان من الأخضر إلى الأصفر أو البرتقالي أو الأحمر في بعض الحالات. وقد يشاركه الرسام أو العاشق شيئا من الإعجاب بتلك الخلطة العجيبة من الألوان، فتنعكس في رسومات الأول، وتأملات الثاني أو هيامه بتلك الأوراق المتساقطة، وربما أوجد شيئا من الشبه بينها وبين عواطفه المتكسرة، وأحلامه المتساقطة.
حضرت تلك التأملات، وأنا أراقب حركة بعوضة ساءني وجودها في دورة المياه قبل وقت النوم بقليل. ولخوفي من إزعاجها لي في الليل، فقد حرصت على إخراجها أو القضاء عليها حتى لا تقضي على راحتي في النوم. وأثناء الملاحقة على واجهة المرآة المتسعة، بدأت أفكر فيما يمكن أن تكون تلك البعوضة تفكر فيه من كون البشر كائنات ضخمة مقارنة بجسمها الضئيل، الذي يقل بملايين المرات عن أجسام البشر. كما أنهم -أي البشر- قساة ومجرمون، يلجأون إلى قتل الكائنات الصغيرة، ويبتكرون كثيرا من المبيدات، التي تقضي على أغلب الحشرات، حتى لو طارت بعيدا عنهم. فهم كائنات لا يفكرون إلا في أنفسهم، وراحتهم التامة دون الرغبة في تضحية بشيء من القلق أو الانزعاج. وحتى لو كانت البعوضة ستتغذى على قليل من دم الإنسان، فإن ذلك لن يضره في شيء، ولن يترك سوى بثور قليلة ريثما تلتئم ويزول أثرها في اليوم التالي. كما أن البعوض في كل أصقاع الدنيا يلسع كثيرا من الكائنات الأخرى، ويتغذى على دمائها دون أن تمارس الأنواع الأخرى -عدا البشر- مثل هذه الحرب الشعواء، التي تتجاوز قتل الأفراد منها بصورة مباشرة، ورش المبيدات في مناطق واسعة من أماكن سكنى البشر، إضافة إلى إزالة كثير من المستنقعات، التي هي مكان وضع البيوض وإنتاج الأجيال القادمة لنا -معشر البعوض- مما يشكل جريمة إبادة جماعية في حقنا.
لكنني انتصرت لبني البشر، بأن حجة تلك البعوضة المتفلسفة ليست صحيحة على الإطلاق، إذ إن الضرر الناتج عن لسعات البعوض لا يتوقف على امتصاص شيء من الدم وتلك البثور الناتجة عن لسعاتها، بل إن بعض تلك الحشرات، وخاصة الإناث في مناطق وجود فيروس الملاريا، تعد ناقلة لمرض خطير يتجاوز الحكة والألم والاحمرار. ثم إنكم -معشر البعوض- لا تكتفون بالتحليق ليلا فوق أجساد البشر والانقضاض عليها لسعا ومصا للدماء فحسب، بل تصدرون أزيزا يقلق راحة النائم، ويجعل النوم يفارقه، خاصة إذا كثر البعوض، وتبادل الأدوار حول آذان النائمين. أما حجتكم بأن الكائنات الأخرى -عدا البشر- لم تلجأ إلى وسائل القضاء على البعوض جماعيا من مبيدات وصوائد إلكترونية وغيرها، أو استئصال مستعمرات التفريخ في المياه الراكدة، فذلك لأن تلك الكائنات لا تستطيع لوجستيا عمل ذلك.
لكنني انتصرت لبني البشر، بأن حجة تلك البعوضة المتفلسفة ليست صحيحة على الإطلاق، إذ إن الضرر الناتج عن لسعات البعوض لا يتوقف على امتصاص شيء من الدم وتلك البثور الناتجة عن لسعاتها، بل إن بعض تلك الحشرات، وخاصة الإناث في مناطق وجود فيروس الملاريا، تعد ناقلة لمرض خطير يتجاوز الحكة والألم والاحمرار. ثم إنكم -معشر البعوض- لا تكتفون بالتحليق ليلا فوق أجساد البشر والانقضاض عليها لسعا ومصا للدماء فحسب، بل تصدرون أزيزا يقلق راحة النائم، ويجعل النوم يفارقه، خاصة إذا كثر البعوض، وتبادل الأدوار حول آذان النائمين. أما حجتكم بأن الكائنات الأخرى -عدا البشر- لم تلجأ إلى وسائل القضاء على البعوض جماعيا من مبيدات وصوائد إلكترونية وغيرها، أو استئصال مستعمرات التفريخ في المياه الراكدة، فذلك لأن تلك الكائنات لا تستطيع لوجستيا عمل ذلك.