كلنا «تقريبًا» نعرف عقدة الأجنبي، أو عقدة الخواجا، وندركها، ونعترف بها في كثير من أمور حياتنا، «كلنا كعرب»، ويبدو أنه لا شفاء لنا من هذا السقم إلا ما شاء الله، وقد نتجرعها على مضض في بعض الأماكن، لكننا في المقابل قد نغص بها في أماكن أخرى، ولا يجدي معها شرب الماء، ولا الضرب على الظهر، لأنها من المستحيل أن تبلع وتهضم. غير أن أكثر ما ساءني وأنا أقرأ كتابًا لمؤلفين غربيين عن قضية محلية محضة، ما أشار إليه مترجم الكتاب وهو سعودي مقيم في المغرب، ولن أسمي الكتاب ولا مؤلفيه حتى لا تكون دعاية مجانية، حين كتب في سياق تقديمه لترجمته إنه كان بوسعه أن يكتب أفضل مما كتب هؤلاء الأجانب لو أتيحت له الفرصة على جمع المعلومات، وسمح له بإجراء المسوحات والمقابلات مثلما سمح لهذين المؤلفين، وأنحى باللائمة على المراكز البحثية المتخصصة المنوط بها إصدار تلك التراخيص، وكيف أنها لا تتردد في إعطائها للباحثين الأجانب، والذين ينطلقون في أبحاثهم غالبا من ثقافات أخرى مختلفة تماما عن ثقافتنا قد لا تستوعب بعض الأفكار، وقد تلوي أعناقها عن الحقيقة حال تأويلها أو تفسيرها. وهو حق لا مراء فيه على اعتبار أن ابن الوطن، وابن الثقافة لا بد وأن يكون هو الأقدر على فهم وتفسير وتحليل وحتى قراءة واقعات مجتمعه، واستجلاء غموضها، بعيدا عن الاحتمالات المجنحة التي يمليها العقل المختلف القادم من ثقافة مختلفة لها مساقاتها التأويلية التي قد تجنح عن الأسباب الحقيقية، ولا أريد أن أقول: تتعمد تفسيرها بغرضية أو قصدية مسبقة وفق أهواء ومزاجات كتابها فهذه تهمة تحتاج إلى قيام الدليل.
لا بد لي أن أنحاز إلى ما ذكره المترجم السعودي، ليس على سبيل العصبية، ولا من منطلق شوفيني، لأن مجال البحث والتأليف والتحليل، ومجال العلم كله نظريا أو علميا هو مدى عالمي متاح، وإنما من باب أن ابن البلد طالما أنه يمتلك الأدوات التي تخوله للكتابة والبحث، فهو حتما سيكون الأقرب والأقدر على البحث في قضايا وطنه، لأنه يعرف كيف يفكر مجتمعه، وكيف تنتظم العلاقات الاجتماعية فيه وتؤثر على مجريات حياته، وبشكل لا يمكن أن يتوفر للقادم من أوروبا وأمريكا حتى وإن أتقن اللغة العربية، والحال ذاته ينطبق على العربي الذي يريد أن يبحث قضايا الغرب. ولكن وحتى لا يفهم أنني أريد أن أقيم حدودًا بين الثقافات أعود لأؤكد أنني أتحدث فقط عن تلك البحوث التي تتلاقى فيها القضايا الاجتماعية مع محددات القيم والأفهام العقائدية والتقاليد والبيئة الثقافية، فهل نعيد الثقة لأبنائنا في مناقشة قضايانا؟.