تلك المراجعة تحتاج إلى خروج فعلي من دوامة الحياة العملية التي تستبد بنا، خروج مؤقت بالطبع، نستهدف به انفصالا شبه تام عن كل شواغلنا، إذ أن صفاء الذهن شرط لنجاح مثل هذه المراجعات، كذلك فالإنسان لا يستطيع الحكم على شيء ما دام في داخله، لذلك من الصعب على شخص محتدم نقاش حاد أن يرى الصواب في غير قوله، لكن بعدما تنجلي الحدة وينفصل المتناقشان يمكن لأحدهما أن يرى خطأه فيما تبناه من وجهة أو رأي.
يزعجني كثيرا أمام العادات السيئة ذلك التحجج الذي يبديه البعض بأن الأمر خارج عن السيطرة وأن هذا طبع شخصي من المستحيل تغييره، قد يكون في الأمر جزء من الصواب وهو أن تغيير العادات المستقرة فينا شيء صعب، لكنه أبدا ليس مستحيلا.
العادة في الأصل هي ما تراكم فينا من سلوك على مدى زمني طويل، وحين نأتي فجأة للتخلي عن هذا السلوك، فإننا حتما نواجه انتكاسا يتلوه انتكاس، لنضرب مثالا هنا بالتدخين، فهو عادة سيئة ترسخت وتجذرت في السلوك اليومي لدى كثيرين، حين يأتي أحدهم معلنا التخلي عنه نهائيا، فلربما يفي بما قطعه يوما أو أسبوعا، لكن مصيره في الغالب هو الانتكاس والعودة مرة أخرى إلى هذه العادة السيئة، ليس لأن الأمر مستحيل ولكن لسوء الإستراتيجية المتبعة في الإقلاع، وهو القطيعة المفاجئة.
لذلك حين نود التخلص من عادة سيئة فحري بنا أن نعمد إلى التدرج واختيار إستراتيجية ملائمة لما تعنيه لنا هذه العادة ولما تشغله في سلوكنا من مساحة وتأثير، وبالتالي نتفادى الانتكاسات ونقترب أكثر من القدرة الحاسمة على اقتلاعها وكل ما يؤدي إليها.
إن التغيير الإيجابي حين يأتي من داخلنا فإنه في الغالب يكون عن اقتناع تام، وبالتالي نرى أثره حاضرا في أفضل صورة، بينما حينما يأتي جبرا ومن خلال صدمة ما أو موقف مفاجئ، فإنه في الغالب يكون غير خالص النية، ما يترتب عليه أثر ضعيف لا يرقى لأكثر من حفظ ماء الوجه، لذا فإن الحرص على مراجعة الذات وبناء قناعات صحيحة وتعديل مواقف خاطئة هو أنفع لنا ولكل من حولنا.