تؤكد زيارة سمو ولي العهد التي تمت هذا الأسبوع لجمهورية كوريا الجنوبية تصميم المملكة على إقامة أوثق العلاقات مع دول العالم وفي مقدمتها الدول الصناعية وعزمها على تعدد مصادر حصولها على المعدات الصناعية والتقنيات؛ لضمان امتلاك أفضل ما توصل إليه العلم الحديث في المجالات الصناعية والمخترعات وتوظيفها في خدمة النهضة المباركة التي تشهدها بلادنا وهو ما أكدت عليه رؤية المملكة 2030، إضافة إلى ما تشكله هذه الزيارة من أهمية العلاقة مع بلد مثل كوريا الجنوبية يمتلك تجربة ريادية في التحول إلى دولة صناعية خلال سنوات قليلة نسبيا إذا قيست بعمر الأمم والشعوب، فهي أيضا مثال على صواب الرؤية في اختيار الدول التي يمكن للمملكة أن تراهن على توثيق العلاقات معها والاستفادة من إمكانياتها والحرص على تبادل المنافع والمصالح المشتركة معها وتنميتها؛ كون كوريا الجنوبية بلدا صناعيا يمتلك العديد من المقومات التي تؤهله لتلبية احتياجات السوق السعودي وما يحتاجه تنفيذ خطط التنمية، وكذلك يحد من احتكار دول أخرى والاعتماد الكلي عليها بحيث يمتلك الجانب السعودي أكثر من خيار عند الرغبة في الاستيراد ويكون له القرار للأخذ بما يحقق مصالحه الاقتصادية والأمنية، بل وينسجم مع المواقف السياسية أيضا حيث لا يمكن الفصل في عالم اليوم بين السياسة والاقتصاد، كما أن السوق الكوري له أهمية خاصة بالنسبة للصادرات والاستثمارات السعودية ولاسيما في مجالات الطاقة والنفط والاستثمار في هذين المجالين كما هو الحال في مصفاة إس أويل التي دشن سمو ولي العهد ورئيس الوزراء الكوري أعمالها أثناء هذه الزيارة الميمونة. وإن كانت ليست هذه فقط هي الجوانب الواعدة في آفاق التعاون المستقبلي بين المملكة وكوريا الجنوبية، ففي مجال التعليم فإن لدى كوريا واحدا من أكثر النظم التعليمية تقدما في العالم ويمكن للمملكة التي تحرص دائما على الاستفادة من الخبرات والتجارب العالمية في تطوير التعليم الاستفادة منها سواء بنقل الجوانب المتميزة في التجربة الكورية في مجالي التعليم العام والعالي وخاصة التعليم والتدريب الصناعي أو إيفاد الطلاب والمتدربين السعوديين للحصول على هذه الخبرات ونقلها لتكون في خدمة خطط التنمية الشاملة التي تطبقها المملكة في سائر المجالات، وفي مجال المقاولات وتنفيذ المشاريع الكبرى فإن تجربة المملكة مع تنفيذ الشركات الكورية لمثل هذه المشاريع كانت تجربة ناجحة وبالتأكيد فإنها تشجع على الاستفادة من هذه الشركات في تنفيذ مزيد من المشاريع مستقبلا وكذلك الحال أيضا في مجال التقنية الإلكترونية. فإذا لاحظنا حرارة الاستقبال الذي قوبل به ولي العهد وحفاوة الجانب الكوري بهذه الزيارة واستقبال الرئيس الكوري لسمو ولي العهد في القصر الأزرق في الوقت الذي استقبل فيه قبل فترة قصيرة أمير دولة مجاورة من قبل وزير في الحكومة الكورية، إضافة للفعاليات التي رافقت الزيارة ومنها تدشين بعض المشاريع الاستثمارية السعودية الهامة مثل مصفاة إس أويل وتصريحات المسؤولين الكوريين التي تؤكد حرص بلادهم على بناء أوثق العلاقات مع المملكة؛ كل ذلك يؤكد حرص الجانبين على تنمية هذه العلاقات وتطويرها لصالح البلدين وذلك يمثل بالنسبة للجانب السعودي أنموذجا ناجحا لما يمكن أن تسفر عنه تحركات المملكة لإقامة أفضل العلاقات مع دول العالم الصناعي وخاصة دول شرق آسيا بما يخدم تنفيذ طموحات رؤية 2030 ويحقق أهدافها ويوثق العلاقات الاقتصادية والسياسية مع قوى مؤثرة في المجال الدولي واكتساب هذه القوى إلى جانب مواقف المملكة المحقة والعادلة في قضايا المنطقة والعالم، خاصة وأنها تواجه قوى إقليمية وخارجية تصر على العدوان وتهديد الأمن والسلام وهو بالتأكيد ما سيفعله سمو ولي العهد في مؤتمر العشرين.