الآن ونحن نتابع وقائع مداولات ما يعرف بصفقة القرن تجد من ينتقدون ويكتبون الأشعار ويرفضون المبدأ في الجلوس على موائد الحوار مع الطرف الآخر بهدف تحقيق اختراق يكسر رتابة الهوان التاريخي في التعاطي مع الاستحقاقات العربية، وذلك في وقت لا يملك فيه هؤلاء سوى الخطاب والشعر الذي ينتظرون منك أن تقول مع آخر النص "صح لسانك" وهو لا صحيح ولا يحزنون، لأنه يسهم في تخريب عملية سياسية مقعدة ومعقدة منذ عقود.
هذا الأمر أشار إليه الرئيس التونسي الراحل الحبيب بورقيبة خلال زيارته إلى مدينة أريحا منتصف الستينيات الميلادية ودعا إلى ترك لغة العاطفة والبحث في تعامل واقعي مع حقائق الأرض، داعيا إلى التعامل الإيجابي مع القرار الأممي الخاص بالتقسيم بنسب متساوية بين الفلسطينيين والإسرائيليين (49% لكل طرف) ولكن أصحاب الشعر والخطاب العاطفي عبأوا الرأي العام الفلسطيني والعربي بالرفض ونظموا الأشعار والخطب الجماهيرية ولم يحصل الفلسطينيون على شيء.
بعد ذلك رفض العرب كامب ديفيد واتهموا الرئيس المصري الراحل أنور السادات بالعمالة وبيع القضية فيما حصل على أرضه واكتشفوا بعد فوات الأوان أنه حصل على أفضل تسوياته لأنه تجاوز أصحاب الأشعار والخطب الرنانة، وبعدها حصل الفلسطينيون على قبضة هواء بحجم غزة ثم حبة خردل في أوسلو منتصف التسعينيات، وهي تتضاءل إلى أصغر من ذلك لأن من يديرون التفاوض يتمترسون خلف لغة الشعر والخطاب العاطفي، لذلك لا مناص من المضي قدما في جلسات حوار البحرين فيما يتعلق بوضع القضية الفلسطينية وتجاهل تجار القضية والحالمين لأنهم في نهاية المطاف لن يكفوا عن الرفض لأنهم يقتاتون من تعليق القضية وبقائها بلا حل، فيما الوقت يمضي ولا يخسر سوى الفلسطينيون ومن ورائهم العرب، فما يحدث حاليا إنما هو محاولة حاسمة للحاق بركب الكسب وتحقيق نصر بلا حرب بدلا من سجل الخسائر التي تشعل قريحة شعراء الغفلة وتجار القضية الذين ينبغي أن يقفوا إلى جنب حتى يتم تحقيق اختراق يوقف استنزاف السلام والأرض وإيقاف تآكلها حتى لا نصل مرحلة لا نجد فيها أرضا نفاوض حولها.