الكثير من المثقفين والمبدعين على مستوى الوطن العربي حينما تُطرح عليهم تساؤلات من قبيل: كيف دخلتم عالم الثقافة والإبداع؟ ما المحفزات التي دفعتكم إلى هذا العالم؟ البيئة، الأشخاص، الظروف، ماذا عنها هل هي ذات طبيعة محفزة أو مساعدة؟
ستكون الإجابات في الأغلب تتصل بالمقاهي وتنوعها تلك المنتشرة في مدن كبيرة مثل القاهرة، بيروت، دمشق، بغداد، مراكش أو فاس والرباط، حيث سيحيل الكثير من المبدعين إلى ذاكرة المقاهي التي كانت حاضنة حقيقة لجل الحراك السياسي والثقافي والأدبي خصوصا في النصف الأول من القرن العشرين، فما من مثقف أو مبدع أو كاتب إلا وكان المقهى محورا رئيسيا في تنمية مواهبهم وشحذها بكل ما تحتاجه من طاقة وقوة وإرادة، بل أكاد أجزم أن من أراد البحث عن سمات مشتركة تخص المبدعين العرب في شتى مدنه الكبرى، بلا شك سيكون تاريخ المقاهي هو المرجع والدليل على وجود مثل تلك السمات، والسبب ببساطة هو أن كل مثقف أو مبدع له حكاية أو قصة مع المقاهي أثرت عليه وعلى مسيرته الإبداعية من العمق. لذلك لا غرابة من الكتاب الكبار من ارتبط إبداعهم بالمقاهي كنجيب محفوظ أو إحسان عبدالقدوس أو يوسف إدريس، في مصر حيث مقهى الفيشاوي أو مقهى الحرافيش، وكذلك مقهى الزهاوي في بغداد الذي ارتبط باسم الشاعر والفيلسوف الزهاوي.. ألخ من الأسماء الذين كانت حياتهم حياة المقهى بامتياز.
لكن السؤال الذي أود أطرحه هنا: إذا كان هذا هو حال مثقف المدن الكبرى مع المقاهي، فماذا سيكون وضع مثقف ومبدعي المدن التي لا تشكل المقاهي محور حياة مجتمعها اليومي كما هو الحال في تلك المدن؟.
سأجيب بمثال واحد على تجربة شخصية مررت بها أنا ومجموعة من جيلي في مدينتي الأحساء الذين أصبحوا الآن أسماء مهمين في الساحة الإبداعية.
شح المقاهي وندرتها في الأحساء تاريخيا لا يرتبط بأسباب ثقافية، بل بالعكس كانت الثقافة نشطة. لكن ثمة أسباب تتعلق بالجانب الاجتماعي والاقتصادي أكثر من كونها ذات طبيعة فكرية أو ثقافية، لا مجال هنا للتوسع فيها. وعليه برزت في هذا الإطار مجموعات من الشباب تقوم فيما بينها بتأسيس منتدى أدبي أو ثقافي يتداولون فيه نتاجاتهم الأدبية، وقد كان منتدى الينابيع الهجرية (وقد استقر على هذا الاسم الأخير بعد تحولات كثيرة) برئاسة الأستاذ الشاعر ناجي الحرز الذي يعتبر بحق الأب الروحي للكثير من الشعراء الذين عبروا سماء هذا المنتدى، فهو يمتلك حاسية اكتشاف المواهب لا تجدها عند غيره، يكفي أنه قدم للساحة في الأحساء الشاعر جاسم الصحيح، وهو من الأوائل الذين تم تقريبه والاحتفاء به في هذا المنتدى، ناهيك عن شعراء من جيلي كالشاعر عادل الرمل، حسن الباذر، عبدالوهاب أبو زيد، أمير المحمد صالح ثم الجيل اللاحق جاسم عساكر، حسن الربيح، يحي العبداللطيف وأسماء أخرى لا يسعني حصرها في هذه المقالة.
فمنذ الثمانيات وهذا المنتدى لم ينقطع عن الأنشطة، رغم الانقطاعات التي غالبا ما يكون سببها الركود أو الانشغالات اليومية إلا صموده طوال هذه الفترة، لهو أكبر دليل على قدرته وإصراره على أن يكون منبعا ثرا، يجد عنده أصحاب المواهب حاضنا وداعما حقيقيا لتطوير إبداعاتهم. قد يتساءل البعض ألا يوجد في سماء الأحساء منتديات أخرى يمكن الإشارة إليها؟ نعم ثمة الكثير. لكن التجربة الشخصية التي مررنا بها كجيل مبدع من جانب، والفترة الزمنية التي عشناها باعتبارها فترة كانت تفتقر لوجود منتديات كما هي عليه الحال الآن، تحتم علينا أن نشير إلى أهمية هذا المنتدى والاحتفاء به بكل فخر واعتزاز.
لكن السؤال الذي أود أطرحه هنا: إذا كان هذا هو حال مثقف المدن الكبرى مع المقاهي، فماذا سيكون وضع مثقف ومبدعي المدن التي لا تشكل المقاهي محور حياة مجتمعها اليومي كما هو الحال في تلك المدن؟.
سأجيب بمثال واحد على تجربة شخصية مررت بها أنا ومجموعة من جيلي في مدينتي الأحساء الذين أصبحوا الآن أسماء مهمين في الساحة الإبداعية.
شح المقاهي وندرتها في الأحساء تاريخيا لا يرتبط بأسباب ثقافية، بل بالعكس كانت الثقافة نشطة. لكن ثمة أسباب تتعلق بالجانب الاجتماعي والاقتصادي أكثر من كونها ذات طبيعة فكرية أو ثقافية، لا مجال هنا للتوسع فيها. وعليه برزت في هذا الإطار مجموعات من الشباب تقوم فيما بينها بتأسيس منتدى أدبي أو ثقافي يتداولون فيه نتاجاتهم الأدبية، وقد كان منتدى الينابيع الهجرية (وقد استقر على هذا الاسم الأخير بعد تحولات كثيرة) برئاسة الأستاذ الشاعر ناجي الحرز الذي يعتبر بحق الأب الروحي للكثير من الشعراء الذين عبروا سماء هذا المنتدى، فهو يمتلك حاسية اكتشاف المواهب لا تجدها عند غيره، يكفي أنه قدم للساحة في الأحساء الشاعر جاسم الصحيح، وهو من الأوائل الذين تم تقريبه والاحتفاء به في هذا المنتدى، ناهيك عن شعراء من جيلي كالشاعر عادل الرمل، حسن الباذر، عبدالوهاب أبو زيد، أمير المحمد صالح ثم الجيل اللاحق جاسم عساكر، حسن الربيح، يحي العبداللطيف وأسماء أخرى لا يسعني حصرها في هذه المقالة.
فمنذ الثمانيات وهذا المنتدى لم ينقطع عن الأنشطة، رغم الانقطاعات التي غالبا ما يكون سببها الركود أو الانشغالات اليومية إلا صموده طوال هذه الفترة، لهو أكبر دليل على قدرته وإصراره على أن يكون منبعا ثرا، يجد عنده أصحاب المواهب حاضنا وداعما حقيقيا لتطوير إبداعاتهم. قد يتساءل البعض ألا يوجد في سماء الأحساء منتديات أخرى يمكن الإشارة إليها؟ نعم ثمة الكثير. لكن التجربة الشخصية التي مررنا بها كجيل مبدع من جانب، والفترة الزمنية التي عشناها باعتبارها فترة كانت تفتقر لوجود منتديات كما هي عليه الحال الآن، تحتم علينا أن نشير إلى أهمية هذا المنتدى والاحتفاء به بكل فخر واعتزاز.