المنظر من الأعلى مختلف، يرى فيه المرء كل الجوانب، ويتضح من خلاله الشكل الكلي لكوكب الأرض. هذا ما قلته لمحادثي الأمريكي بعد حوار عقيم؛ لأن صاحبي ورفيقته المكسيكية كانا ينطلقان من مسلمات ثقافتهما التي تمجد الخلفية الفكرية لكل من المجتمعين وارتباطاتهما الدينية والتاريخية. فهل يستطيع أحد منا، أو جميعنا -في الوضع الأفضل- أن يصعد إلى الأعلى ليحصل على نظرة بانورامية لما هي عليه الأحوال على الأرض؟ أو هل يمكننا -بصورة أكثر دقة- التخلي عن بعض موروثاتنا وانحيازاتنا العرقية أو الثقافية لنتمكن من الحكم بموضوعية في القضايا التي تقلق كثيرا من المجتمعات البشرية في عصرنا الذي يفترض أنه أصبح عصر الانفتاح والتنوير؟
الشد والجذب بين الثقافات المختلفة، والأديان والمذاهب المتعددة، والرؤى الفكرية ذات الأبعاد المتباينة، أصبح أكثر من أن يُحتمل، بعد أن ظن العقلاء أن حقبة العولمة، التي بشرت بها القوى العظمى في نهاية الألفية السابقة ومطلع هذه الألفية، ستنشر فكرا عالميا متسامحا، وتقرب بين الشعوب بوصفها جميعا مكونات في هذه القرية الكونية، التي أرهقتنا بها مقولات التسعينات من القرن الماضي وما بعدها. لكن الواقع يقول غير ذلك، إذ إنه حتى في مجال التجارة الحرة وانفتاح الحدود بين الكتل الاقتصادية المختلفة، وما كانت تصدع به رؤوسنا أبواق الإعلام الأمريكي والغربي بصورة عامة، عن زوال الحماية للمنتجات الوطنية لمن ينضم إلى منظمة التجارة العالمية قد انقلب رأسا على عقب في الوقت الحاضر مع اشتداد الحرب التجارية بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين. وبدأت الأولى تفرض إجراءات عقابية والقصد منها حماية المنتجات المحلية من غزو منتجات الصين «وهي التي قد انضمت إلى منظمة التجارة العالمية والتزمت بشروطها». فهل تقضي عودة سيادة الشعور القومي، والمنافسات بين القوى العالمية، على ما حققته البشرية في عصر الانفتاح والفضاء الكوني من لحمة بين البشر، بالرغم من اختلافاتهم الثقافية والعرقية والدينية؟
عودة إلى لب الحوار بيني وبين صاحبي ورفيقته، فقد لفت نظري أنه كان ينتقد السياسة الأمريكية بسبب موقف الإدارة الحالية من العلاقات مع المكسيك «وما صار شائعا منذ الحملة الانتخابية للرئيس دونالد ترامب، من أنه سيبني جدارا عازلا بين الولايات المتحدة الأمريكية والمكسيك، وبالطبع ما زالت المماحكات بين الإدارة الأمريكية والكونجرس بشأن تمويل بناء هذا الجدار، الذي يمثل -بزعم الإدارة- حماية للبلاد من الهجرة غير المشروعة». فقلت له يا صاحبي أتظن أن هذه قضية مركزية في السياسة الأمريكية أو مهمة للعالم؟ وأردفت بأن عددا من المستثمرين لدينا في منطقة الخليج قد تخلصوا من أسهمهم في سوق التداولات بعد أحداث حصلت في المنطقة «من إحراق لبعض الناقلات واعتداء على أنابيب النفط»، لظنهم أن تلك أحداث دولية مؤثرة. لكني في هذه الجولة في أمريكا الجنوبية، لم أجد أيا من هذه الأحداث تحتل اهتماما في هذه القارة. ففي هذه الأرض المعولمة -وفقا لوعود التسعينات من القرن الماضي- يجدر أن تكون الأهمية لما يؤثر في حياة البشر جميعا من تقدم علمي وتقني وطبي يخدم الأفراد في المجتمعات المختلفة. لم يعجبه كلامي، ومضى بعد أن نقلته إلى مشهد التسامي على الجزئيات الصغرى. لكن من لديه القدرة على الصعود، وقبل كل شيء الإرادة؟!
عودة إلى لب الحوار بيني وبين صاحبي ورفيقته، فقد لفت نظري أنه كان ينتقد السياسة الأمريكية بسبب موقف الإدارة الحالية من العلاقات مع المكسيك «وما صار شائعا منذ الحملة الانتخابية للرئيس دونالد ترامب، من أنه سيبني جدارا عازلا بين الولايات المتحدة الأمريكية والمكسيك، وبالطبع ما زالت المماحكات بين الإدارة الأمريكية والكونجرس بشأن تمويل بناء هذا الجدار، الذي يمثل -بزعم الإدارة- حماية للبلاد من الهجرة غير المشروعة». فقلت له يا صاحبي أتظن أن هذه قضية مركزية في السياسة الأمريكية أو مهمة للعالم؟ وأردفت بأن عددا من المستثمرين لدينا في منطقة الخليج قد تخلصوا من أسهمهم في سوق التداولات بعد أحداث حصلت في المنطقة «من إحراق لبعض الناقلات واعتداء على أنابيب النفط»، لظنهم أن تلك أحداث دولية مؤثرة. لكني في هذه الجولة في أمريكا الجنوبية، لم أجد أيا من هذه الأحداث تحتل اهتماما في هذه القارة. ففي هذه الأرض المعولمة -وفقا لوعود التسعينات من القرن الماضي- يجدر أن تكون الأهمية لما يؤثر في حياة البشر جميعا من تقدم علمي وتقني وطبي يخدم الأفراد في المجتمعات المختلفة. لم يعجبه كلامي، ومضى بعد أن نقلته إلى مشهد التسامي على الجزئيات الصغرى. لكن من لديه القدرة على الصعود، وقبل كل شيء الإرادة؟!