يكثر علماء النفس من القول إن مصدر السعادة هو الذات، وما يدور حول الإنسان من أحداث مهما كان تأثيرها الإيجابي قويا، فإنها لا تبعث السعادة في قلب الإنسان، فلا المال ولا الجاه ولا عوامل الرفاهية يمكن أن تجعل الإنسان سعيدا، ما لم يملك البيئة الخصبة لاحتضان بذور هذه السعادة حتى تثمر، وربما تجاوز تأثيرها الإنسان ذاته لتمتد إلى غيره ممن يدورون في فلكه، لذلك نرى أن بعض الأشخاص قد يكون حضوره مبعث فرح وسعادة وتفاؤل، بينما آخر لا يبعث حضوره في النفس سوى الكراهية والتشاؤم والتطير، والمثل القائل تفاءلوا بالخير تجدوه قد لا يصدق في حالات كثيرة، فأنت أحيانا قد تفاجأ بأن من تثق فيهم قد خيبوا آمالك عندما تكتشف أنهم ليسوا محل الثقة، لذلك فإن الاعتماد على عوامل السعادة ليس ضمانا لتحقيقها، وكما هي السعادة كذلك تكون القوة، فالاعتماد على الآخرين في مواجهة الأخطار المحدقة بالإنسان ليس بالضرورة ضمانة أكيدة لجلب القوة، فالقوة كالسعادة تنبع من الذات، تجسدها الثقة بالنفس، والقدرات الكامنة لدى الإنسان تفوق بكثير ما قد يظهر عليه من الهدوء والاتكالية أحيانا، فهي قوة كامنة يكتشفها الإنسان عند التعرض للخطر، حين تستنفر تلك القوة الكامنة قدراتها المستترة وراء حجب التردد، والمسترخية خلف ظروف لا يعتريها الخطر ولا تصقلها وطأة التجربة وقسوة التحديات.
والاستعانة بالآخر يعتريها في الغالب خطر ترجيح هذا الآخر لمصالحه الخاصة، فهو لا يبادر إلى تقديم العون لمن يطلبه إلا بمقدار ما قد يعود عليه من المنافع، وهو أمر طبيعي في عالم تغيب فيه المثل، وتسود فيه المصالح الخاصة على المصالح العامة، فالاعتماد على الذات لا يدرأ فقط عواقب نظرة الآخر لما قد يجنيه من ذلك، كما أنها لا تقوي نزعة الثقة في النفس، ولا تؤصل قيم الاعتماد على الذات في مواجهة الأخطار، ولسنا بحاجة لتقديم الدليل على أن من يعتمد على الآخرين إنما يجني على نفسه؛ لأن مصلحة الذات غالبا ما تكون مقدمة على مصلحة الآخر، وكذلك الاعتماد على الآخر في المشورة حول أدق تفاصيل حياة الإنسان ورسم مستقبله، ووضع خارطة طريق لحياته، وفق منظور يختلف عن معطيات واقعه، وهو منحى خطير لأنه يحيد قدرات الإنسان وإمكانياته الخلاقة لتطوير ذاته، وقيادة سفينة مستقبله، كما أن ذلك يحيّد هذه القدرات والإمكانيات، ويحرمها من حرية الممارسة، بما يمكن أن تقدمه هذه الممارسة من دروس يستفاد منها في حالتي النجاح أو الإخفاق، فالنجاح يدفع إلى المزيد من النجاح، والإخفاق يدفع إلى التفكير في مكامن الخطأ لتجنبه، وتقويم مساره في طريق النجاح، والأمم لا تعتمد على جهود غيرها لتحقيق نجاحاتها الضخمة، بل تعتمد على قدراتها وطاقاتها المنتجة والمبدعة والمؤمنة بدورها في البناء الوطني، دون الحاجة للاستشارات الأجنبية، أو الاستعانة بالقوة الخارجية لتطوير ذاتها، وهذا لا يدخل في إطار ما يُسمى بتبادل الخبرات، الذي يستفيد منه الطرفان والمتفقان على هذا التبادل، فشركاء النجاح يقطفون ثمار نجاحهم، دون أن يكون ذلك لطرف على حساب الطرف الآخر.
قوة الإنسان تنبع من ذاته، وقوة المجتمعات تنبع من قوة أفرادها، وقوة الأوطان تُستمد من قوة مواطنيها، دون الحاجة للاستعانة بالآخر الذي لا تهمه سوى مصالحه الخاصة، هذا هو منطق عصر مادي يعيش بقيم جديدة اسمها المكاسب المادية التي لا تقهر إلا بالثقة بالنفس، والإيمان بالقدرات الذاتية لمواجهة تحديات الواقع، والانتصار عليها بثقة تامة وإيمان عميق، وقدرات ذاتية خلاقة.
قوة الإنسان تنبع من ذاته، وقوة المجتمعات تنبع من قوة أفرادها، وقوة الأوطان تُستمد من قوة مواطنيها، دون الحاجة للاستعانة بالآخر الذي لا تهمه سوى مصالحه الخاصة، هذا هو منطق عصر مادي يعيش بقيم جديدة اسمها المكاسب المادية التي لا تقهر إلا بالثقة بالنفس، والإيمان بالقدرات الذاتية لمواجهة تحديات الواقع، والانتصار عليها بثقة تامة وإيمان عميق، وقدرات ذاتية خلاقة.