ما أصدق المثل القائل: (من تدخل فيما لا يعنيه.. لقي ما لا يرضيه)، وهي فلسفة قائمة على الحياد، مع أن الحياد في الأساس لا وضوح فيه، فهو يميل إلى اللون الرمادي الذي تتشظى مفاهيمه بين الأبيض والأسود، لكن من غير المحمود الميل للفزعة وللنخوة بدافع المساعدة، خاصة في الظروف التي تنعدم فيها بواعث التدخل، من قبل أناس لا علاقة لهم بما يدور حولهم من أحداث، لكنهم يقحمون أنفسهم فيها دون داعٍ أو سبب أو مبرر مقنع، غير مدركين أن بعض التدخلات الفضولية قد تفسد الأمور بدل إصلاحها، وتعقد المواقف بدل السيطرة عليها، وتشعب المواضيع بدل اختصارها، فليست كل الفزعات محمودة، وهذا يعني أنه قد يأتيك الشر من موقف تتوقع منه الخير، وقد تكون الفزعة لجانب تظهر عليه البراءة، لكنه غارق في الخطأ الخافي عنك وربما عن غيرك، وهنا لا تفسير للفزعة لمن يظهر البراءة ويبطن غيرها، سوى تأييد الخطأ دون معرفة حجمه أو نوعه. في الحياة العامة قد يختلف اثنان في أمر بينهما لسبب أو لآخر، وتفاجأ بمن يتدخل بينهما، مؤيدا أحدهما ضد خصه، دون أن يعرف أسباب الخصومة بينهما، أو يُدعى للتدخل لفض الخلاف، وهنا يكون دور المتدخل معيقا للحل المنشود؛ لأنه تدخل في شأن لا علاقة له به، ومع ذلك هو يتظاهر بالفزعة أو النخوة أو الأريحية، وبالمناسبة فإن كلمة الأريحية تعني: (خصلة بذل العطاء بسخاء والقيام بالأفعال الحميدة) فهي لا تعني الراحة من كل شيء كما باتت تستعمل لدى الكثيرين، ولكنها تقتصر على الأفعال الحميدة الباعثة على ارتياح صاحبها بعد القيام بها، وهذا يعني أنك لا تستطيع القول: إن هذا العمل فيه أريحية، بمعنى الارتياح، لأن الأريحية لصيقة بالعمل الطيب فيقال رجل أريحي أي كثير العطاء ومحب لفعل الخير، وملخص الكلام أنه من الأريحية ألا تتدخل فيما لا يعنيك، فليس الانحياز لطرف معين على حساب الآخر..فعلا محمودا، بل هو فعل سيئ قد يجلب عليك وعلى غيرك ما لا تحمد عقباه من النتائج غير المتوقعة.
والتدخل في شئونك الخاصة ليس دائما ضمانة مؤكدة للخروج من المأزق، بل قد يعني تعقيد وتعميق هذا المأزق، حتى وإن توفر حسن النية، وعلى هذا القياس الفردي، تصر الدول على عدم التدخل في شئونها من قبل الدول الأخرى، وتبدأ بمبادرة تأكيد هذا الإصرار، بأنها لا تتدخل في شئون الدول الأخرى؛ لأنها إذا أقدمت على التدخل في شئون غيرها فإن في ذلك تبريرا شرعيا وذريعة قانونية تبرر للطرف الآخر التدخل السافر في شئونها.
والطامة الكبرى أن من يتدخل بين اثنين مختلفين على أمر ما.. لا يخرج عادة من هذا التدخل معافى، فلابد أن يصيبه شرر الخلافات إذا احتدمت الأمور، وإذا هو بعد أن اعتبر نفسه «طير شلوى» يخرج من التدخل إما باللوم أوالعتب، أو الضرر الفادح، ولإخواننا المصريين مثل عجيب في هذا الشأن، فهم يقولون: (يا داخل بين البصلة وقشرتها، ما ينوبك إلا ريحتها) وهي رائحة تؤذي الأنوف وتدمع العيون والعياذ بالله، ومرة أخرى: ما أصدق المثل القائل: (من تدخل فيما لا يعنيه لقي ما لا يرضيه).
وكما يمكن أن تنشأ خلافات تؤدي إلى القطيعة بين الأفراد بسبب هذا التدخل الذي نسميه فزعة أو نخوة أو أريحية، كذلك فإنه قد يحدث بين الدول، فهذا التصرف ربما تنشأ بسببه خلافات تؤدي إلى القطيعة، وربما الحروب إذا اشتدت الأزمات، وتفاقمت الخلافات.
والطامة الكبرى أن من يتدخل بين اثنين مختلفين على أمر ما.. لا يخرج عادة من هذا التدخل معافى، فلابد أن يصيبه شرر الخلافات إذا احتدمت الأمور، وإذا هو بعد أن اعتبر نفسه «طير شلوى» يخرج من التدخل إما باللوم أوالعتب، أو الضرر الفادح، ولإخواننا المصريين مثل عجيب في هذا الشأن، فهم يقولون: (يا داخل بين البصلة وقشرتها، ما ينوبك إلا ريحتها) وهي رائحة تؤذي الأنوف وتدمع العيون والعياذ بالله، ومرة أخرى: ما أصدق المثل القائل: (من تدخل فيما لا يعنيه لقي ما لا يرضيه).