على سبيل المثال، التربية في الماضي اقتصرت مصادرها المعرفية على الأبوين بشكل أساسي (الأسرة) ثم المجتمع (المسجد) والمدرسة. ومع توافر الأدوات البسيطة والعميقة قد جاءت نتائجها ملائمة مع تلك الحُقبة الزمنية. فالحرف اليدوية واكتساب المعرفة التراثية والبيئية قد كانت عوامل مساعدة للأبوين على التربية والتوجيه بشكل مباشر. ولكن مع تطور ظروف الحياة وازدهار العلوم بأنواعها، قد تعددت المصادر المعرفية التربوية لتكون التقنية أكبر مصدر معرفي يشمل كل ما تم إنتاجه منذ سنوات. فوجود التقنية بأنواعها قد سهّل وصعب على الأبوين مسؤولية التربية، وتفاقمت الفجوة بين أساليب التربية القديمة والحديثة حتى بدأ البعض بالخوف والتردد واتسعت دائرة العلاقات الأسرية.
فمن الخطأ أن نقارن بين طرق ونتائج التربية في الماضي والحاضر، لأن لكل مجتمع زمني أدواته ومصادره، التي تساعده في التربية والتوجيه. ففي زمننا أصبحت مسؤولية التربية مُقسمة بين المصادر المتعددة، ولا نستطيع أن ننكر ذلك؛ لأن الواقع قد أثبت قوة حضور وسيطرة تلك المصادر. فالواجب على الأبوين تكثيف التوجيه والإشراف على أبنائهم والتركيز على قوة العلاقة معهم. فالمرونة في التعامل وعدم استخدام التلقين أو فرض الرأي دون سياسة للحوار، وإعطائهم الحرية الكاملة والإشراف على ذلك بوضع ضوابط مُتفق عليها من قبل أفراد الأسرة، والمناقشات وفتح الحوار الجريء ليتسع الوعي والإدراك عند الأبناء، خاصة في كيفية استخدام تلك الأدوات بسلبياتها وإيجابياتها.
فالتربية قد تطورت مع تطور أدواتها ويجب على الباحثين والمختصين في المجال التربوي التركيز على نشر ثقافة الوعي التربوي، الذي يفتقده الكثير من الآباء، والذي يجب أن يركز على أهمية فتح المجال لأبنائنا على التعبير والنقد، وكذلك توضيح الأمور، التي يحاول -مع الأسف- بعض الآباء إخفاءها أو عدم طرحها لأسباب كثيرة منها، الخوف على الأطفال أو عدم القدرة على الإقناع أو الحوار. وأخيراً، فالتربية الحديثة في هذا الزمن تعتمد كثيراً على العقل والمنطق، فسياسة النقد الفكري ضرورية لتطور العقل عند الطفل، خاصة في ظل وجود المصادر المعرفية والعلمية المتنوعة. وكذلك تعزيز العاطفة عند الطفل وتقوية أدواته الفكرية والعاطفية مع الله تعالى وتذكيره بأهمية الممارسات الدينية، التي يحتاج إليها الإنسان ليتصالح مع ذاته أولاً وليرتقي مع غيره ثانياً.