تسلم بوريس جونسون رئاسة الحكومة في بريطانيا قبل أكثر من أسبوع، ودارت التكهنات كثيرا في العالم، خاصة في أوروبا، التي تجهز لأوراق الطلاق مع بريطانيا، بعد أن نجح تيار المحافظين القومي فيها بتدبير من بوريس جونسون وبعض رفاقه في الحزب في الحصول على أغلبية في البرلمان البريطاني لما أصبح يعرف بالبريكست (أي خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي). فما الذي يجمع بين هذا الزعيم القومي البريطاني والزعيم القومي الروسي الذي سبقه في نهاية القرن الماضي بوريس يلتسن، بالطبع غير اتفاقهما في الاسم الأول؟ في الواقع أن كلا منهما يمثل نقطة تحول بارزة في تاريخ بلده في العصر الحديث، فالزعيم الروسي كان قد قاتل بشراسة لتنسلخ روسيا من عباءتها السوفييتية، واعتلى ظهر دبابة في الكرملين، ليتحدى بقايا القوى الشيوعية، التي كانت تود الحفاظ على الكيان السوفييتي، ونجح في ذلك، ليلتقط بعده الفرصة رئيس الكي جي بي الطموح بوتين، ويعتلي كرسي الرئاسة في روسيا المتصاعدة قوتها، بعد أن تخلت عن كيانات الاتحاد السوفييتي الهرمة. أما بوريس جونسون، فإنه يقف حاليا على هرم السلطة في بريطانيا، وهي على مفترق طرق، ليس في النظام السياسي كما في الحالة الروسية، بل في النظام الاقتصادي، وموقع بريطانيا في العالم، واستقلاليتها عن القارة الأوروبية.
ماذا عن واقعية الرجل وأحلامه ورؤيته لبريطانيا وأوروبا والعالم؟ وماذا يُتوقع أن يصنع بعد أن وصل إلى السلطة التي كان دائما يطمح إليها؟ في يوم ما كان بوريس جونسون يروج لفكرته، بأن يُبنى في لندن جسر فخم من الحدائق المتميزة، وفي وقت لاحق أصبح يدعو إلى إنشاء مطار متميز على جزيرة صناعية، مما جعل المتندرين عليه يسمونها «جزيرة بوريس». وفي حالة أخرى، رأى أن الوقت قد حان لبناء معبر جبار يطل ببريطانيا على أوروبا، ومؤخرا أصبح يدعو إلى بناء جسر يربط اسكتلندا بشمال إيرلندا. يبدو أن الرجل يعاني من عقدة انغلاق الجزيرة البريطانية، وعدم وجود حدود برية لبريطانيا مع بقية العالم، لكنه الآن أصبح رئيس الحكومة في هذا البلد الذي كان إمبراطورية عظمى يوما ما، وهو مقبل على تحديات، ليس أهونها مبدأ «البريكست» نفسه الذي أوصله إلى السلطة، بعد فشل تيريزا ماي في تجاوز صعوباته مع البرلمان. وهو يهدده أيضا، بالاضطرار إلى انتخابات مبكرة، إن لم يأخذ أمر التعقل بجدية، وإن لم يبتعد أيضا عن العنتريات والأحلام.
أما ماذا يريد أن يصنعه في بداية عهده، فقد أوضحه بخطوط عامة، أنه يريد الخروج من الاتحاد الأوروبي بطريقته المعهودة من الاستعلاء والثقة المطلقة بالنفس (التي قد تصل إلى حد النرجسية)، وأنه سيملي على الأوروبيين ما الذي ستفعله بريطانيا، ولن ينتظر التعليمات من بروكسل. مع أن مثل هذه المقولات تدخل ضمن الوعود الانتخابية، التي لا يلتزم بها بعض الساسة بعد الحصول على السلطة، غير أن ما لا يريح كثيرا من المحللين السياسيين والعارفين بتاريخ الرجل، هما نقطتان مهمتان: أولاهما: شعور العظمة عند هذا السياسي، الذي لا يفتأ يقارن نفسه بونستون تشرشل، وأخراهما: كونه يفكر في ذاته وفي خصومه السياسيين، أكثر من تفكيره في عمله والمبادئ السياسية التي عليه أن يلتزم بها. والمؤكد أن أوروبا مقبلة على خريف سياسي ساخن!
أما ماذا يريد أن يصنعه في بداية عهده، فقد أوضحه بخطوط عامة، أنه يريد الخروج من الاتحاد الأوروبي بطريقته المعهودة من الاستعلاء والثقة المطلقة بالنفس (التي قد تصل إلى حد النرجسية)، وأنه سيملي على الأوروبيين ما الذي ستفعله بريطانيا، ولن ينتظر التعليمات من بروكسل. مع أن مثل هذه المقولات تدخل ضمن الوعود الانتخابية، التي لا يلتزم بها بعض الساسة بعد الحصول على السلطة، غير أن ما لا يريح كثيرا من المحللين السياسيين والعارفين بتاريخ الرجل، هما نقطتان مهمتان: أولاهما: شعور العظمة عند هذا السياسي، الذي لا يفتأ يقارن نفسه بونستون تشرشل، وأخراهما: كونه يفكر في ذاته وفي خصومه السياسيين، أكثر من تفكيره في عمله والمبادئ السياسية التي عليه أن يلتزم بها. والمؤكد أن أوروبا مقبلة على خريف سياسي ساخن!