يقول الرسول -صلى الله عليه وسلم- في إِشارة للعشر الأوائل من ذي الحجة «مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهَا أَحَبُّ إِلَى اللهِ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ»، هي حقًا فرصة جديرة بالتوقف ومراجعة الذات، فرصة للرجوع إلى الله عبر تجديد الصلة بيننا وبين كل من حولنا على أساس من الخير وإرادته، لكن في هذا الإطار ما هي أوجه الخير المتاحة التي يمكن أن نُقدم عليها في تلك الأيام المباركات؟!
بالتأكيد هذا وقت الأوبة إلى الله والعودة إلى رحابه وطلب مغفرته ورحمته، وليس شيء أدل على كل ما سبق من رحلة روحية نخلص فيها النية لله تعالى ونمضي خلالها إليه دون سواه، عبر حجة تغسلنا وتنقينا وتمكننا من فتح صفحة جديدة في علاقتنا به تعالى ومن ثم علاقتنا بكل ما حولنا، إذ إن الحج ودلالته عظيمة جدًا وعميقة بشكل لا يوصف، فالمعنى كبير أن تغادر حياتك وطبيعتها وكل ما فيها من ترف ربما، وتأتيه في رداء بسيط أبيض طارحًا وراءك كل ألقابك وإنجازاتك ومتساويًا في سرور مع الحجيج من حولك، أنت هنا على هذه الأرض له تعالى دون سواه، هذا إعلان منك وإقرار وتجديد لمعان كثيرة ربما خفتت في داخلك.
إن العمل الصالح في تلك الأيام يمتد لكثير من الأشياء، فإذا لم تكن حاجًا عزيزي القارئ يمكنك أن تكون متطوعًا في المشاعر المقدسة ومعينًا للحجاج القادمين من أقصى بقاع الأرض على أداء فريضتهم بسهولة ويسر، ذلك فضل وتقدير يؤتيه الله من يشاء، والمملكة في هذا الأمر عبر رؤيتها 2030 تستهدف تيسير الحج أكثر على ضيوف الرحمن، وذلك من خلال استهداف رفع أعداد المتطوعين من آلاف معدودة حاليًا إلى نحو مليون متطوع بحلول عام 2030، جهد جبار ما أجمل أن نكون كأفراد جزءا منه.
كذلك فإن هذه الأيام المباركات التي تظلنا حاليًا مدعاة للتيسير على الفقراء وذوي الحاجة عبر إجزال الصدقات لهم والأخذ بأيديهم للخروج من مآزقهم ومشكلاتهم، فوالله ما من شعور يسري في نفوسنا أفضل من شعور العطاء، ذلك العطاء البعيد عن الرياء والزهو والخالص لوجه الله، عطاء متخف يسعى لمثوبة الله لا شكر الناس.
إن هذا التيسير على الفقراء من شأنه أن يدخل السرور عليهم وينقلهم من حال إلى آخر وما أجمل أن نكون سببًا في ذلك.
إنها جيمعًا أيام الله، وما اختص الله بعضها بهذه المكانة والمنزلة إلا تيسيرًا على عباده وحضًا لهم على العودة إليه ومن ثم تجديد الصلة بينهم وبينه جل في علاه.
ونحن بالفعل وسط ما تمور به الحياة من تفاصيل ومشكلات ومشاغل نحتاج إلى تلك الأوقات المباركات لنجدد فيها العهد ولنراجع فيها الذات ولنزيل الغشاوة عن قلوبنا، وذلك كي نعود بعد كل هذا أقوى وأقدر على مواجهة الحياة بشكل صحيح، متسلحين في كل هذا بعون الله وبتوفيق منه تعالى غير منقطع.