موضوع اليوم شائك، وإن كانت القضية التي يتعلق بها واضحة وسهلة ونقابلها في حياتنا اليومية؛ وأظن مصدر هذا التعقيد يكمن في تصنيف المفاهيم التي ينطلق منها أصحاب التحليلات أو الرؤى في هذه القضية. يتعلق موضوعنا بطرق تعبيرنا باللغة عن مشاعرنا كتابياً في أي من وسائل التعبير المتاحة، أو الحديث الرسمي الشفهي في المحافل العامة، أو غير ذلك من طرق التعامل العمومي مع اللغة.
وقد لفت نظري ضعف عام في التعبير باللغة العربية سواء تحدثاً في المناسبات الرسمية، أو تعبيراً حراً في أي من وسائل التواصل الاجتماعي. لكن ما يثير حفيظتي هي الأخطاء الجسيمة، التي تدل على أن الشخص لا يهتم بتطوير لغته، ولا يعنيه كيف تصل مفاهيمه إلى الآخرين، من جهة؛ ونقص الترابط بين أجزاء الكلام، مما يجعل المتلقي لا يعرف المفاهيم الحملية وحدودها في كلام المنشئ من جهة أخرى. علماً أنه إلى هنا والأمر أيسر مما يقض مضاجعي، عندما يعلق أحد ما على كلامهم أو كتابتهم، حيث تكون ردود أفعالهم كارثية؛ توحي بعدم استشعارهم الهوية اللغوية الثقافية، التي هي جزء لا يتجزأ من الهوية القومية، وعامل مهم في بناء الثقة في الذات الجمعية لتحقيق التنمية والارتقاء في المنافسات العالمية من أجل بناء الأمم.
ولا بد هنا من أن أضع مقدمة ضرورية لتوضيح موقفي من اللغة والتعامل معها؛ فأنا لست من المتحذلقين بها، ولا ممن يرى قواعد النحو والصرف التي ابتليت بها مناهج التعليم من المسالك السليمة للتعامل مع اللغة، ولا ممن يفترض معجماً خاصاً من مفردات اللغة القديمة، ليكون هو الصحيح دائماً، ولا ممن يعارض استخدام العامية في بعض المواقف، أو استخدام الكلمات المولدة أو المعربة أو حتى الأجنبية عند الضرورة. وعندما ترأست قسم اللغة العربية بجامعة الملك سعود، يعرف الزملاء والطلاب الغربة التي أحس بها أولئك المنغمسون في المقولات التراثية، لأني استحدثت طرقاً للتعامل مع اللغة بوصفها واقعاً ملموساً نعايشه في حياتنا وعلومنا. لكني في المقابل لا أرتضي أن تضيع اللغة، وتصبح غير قادرة على التعبير عن المراد، أو أن تكون مليئة بالأخطاء الجسيمة التي تصرف النظر عن نصوصها، وتحجب الفهم عنها.
عودة إلى ردود أفعال أولئك المستهترين باللغة وسمْتها؛ فمنهم من يقول: لغتكم هذه صعبة، في إشارة إلى المتخصصين في اللغة العربية. وفي مثل هذه الشعارات تملص من الانتماء إلى الهوية الثقافية، التي تشكل اللغة أهم عناصرها، كما أن فيه محاولات لإبعاد تهمة الضعف عنه إلى اللغة التي -في ظنه- تتميز بالتعقيد، ولا يجيدها إلا المتخصصون فيها؛ وهو أمر غير صحيح، إذ إن كثيراً من المبدعين في اللغة والمجيدين لها لم يكونوا متخصصين فيها. أما أنواع الردود الأخرى، فتأتي من مستخدمي التواصل الاجتماعي، وهم للأسف فئات مختلفة، وبعضهم يكون معرّفه اسماً حركياً. وفيها تأتي ردود الفعل غبية ومجتزأة؛ إذ يستنكف أن يقترح عليه أحد تصحيح كتابته، ويركز على أنه اهتمام بالشكليات وتحذلق في اللغة وتتبع للأخطاء ومن أعمال المصححين اللغويين (طبعا بازدراء لتلك المهنة، وكأن اللغة لا يهم كيف نعبر بها). فكيف يمكن للمرء إفهامهم بأن القضية تمس المحتوى أيضاً، إذا كانت اللغة مهلهلة، وأن التعبير جزء من التفكير؟.
ولا بد هنا من أن أضع مقدمة ضرورية لتوضيح موقفي من اللغة والتعامل معها؛ فأنا لست من المتحذلقين بها، ولا ممن يرى قواعد النحو والصرف التي ابتليت بها مناهج التعليم من المسالك السليمة للتعامل مع اللغة، ولا ممن يفترض معجماً خاصاً من مفردات اللغة القديمة، ليكون هو الصحيح دائماً، ولا ممن يعارض استخدام العامية في بعض المواقف، أو استخدام الكلمات المولدة أو المعربة أو حتى الأجنبية عند الضرورة. وعندما ترأست قسم اللغة العربية بجامعة الملك سعود، يعرف الزملاء والطلاب الغربة التي أحس بها أولئك المنغمسون في المقولات التراثية، لأني استحدثت طرقاً للتعامل مع اللغة بوصفها واقعاً ملموساً نعايشه في حياتنا وعلومنا. لكني في المقابل لا أرتضي أن تضيع اللغة، وتصبح غير قادرة على التعبير عن المراد، أو أن تكون مليئة بالأخطاء الجسيمة التي تصرف النظر عن نصوصها، وتحجب الفهم عنها.
عودة إلى ردود أفعال أولئك المستهترين باللغة وسمْتها؛ فمنهم من يقول: لغتكم هذه صعبة، في إشارة إلى المتخصصين في اللغة العربية. وفي مثل هذه الشعارات تملص من الانتماء إلى الهوية الثقافية، التي تشكل اللغة أهم عناصرها، كما أن فيه محاولات لإبعاد تهمة الضعف عنه إلى اللغة التي -في ظنه- تتميز بالتعقيد، ولا يجيدها إلا المتخصصون فيها؛ وهو أمر غير صحيح، إذ إن كثيراً من المبدعين في اللغة والمجيدين لها لم يكونوا متخصصين فيها. أما أنواع الردود الأخرى، فتأتي من مستخدمي التواصل الاجتماعي، وهم للأسف فئات مختلفة، وبعضهم يكون معرّفه اسماً حركياً. وفيها تأتي ردود الفعل غبية ومجتزأة؛ إذ يستنكف أن يقترح عليه أحد تصحيح كتابته، ويركز على أنه اهتمام بالشكليات وتحذلق في اللغة وتتبع للأخطاء ومن أعمال المصححين اللغويين (طبعا بازدراء لتلك المهنة، وكأن اللغة لا يهم كيف نعبر بها). فكيف يمكن للمرء إفهامهم بأن القضية تمس المحتوى أيضاً، إذا كانت اللغة مهلهلة، وأن التعبير جزء من التفكير؟.