ذكرت في مقال سابق «عزل عمر البشير ومستقبل المشهد في السودان» «أن استحضار ما جرى إبان ما كان يعرف بالربيع العربي في الجمهوريات العربية المنتفضة لم يكن مشجعا، بل كانت تجارب مريرة، فسقوط الأنظمة السابقة لم يؤد إلى بناء دولة مدنية حديثة بل إن الهدم كما شاهدنا في بلدان الثورات أدى إلى الفوضى، الفوضى الطائفية أو القبلية أو حروب أهلية. فالعالم العربي لم يكن ليتحمل ثورات راديكالية، لأن القوى الاجتماعية والطبقية التي تحمل مفاهيم الدولة المدنية والمرشحة لحمل هذا المشروع لم تتشكل. وأضفت، إنه لا بد لبلد كبير مثل السودان من خارطة طريق واضحة تحفظ لهذا البلد أمنه واستقراره ووحدته، والذي يتمثل في التمهيد لأجواء مصالحة وطنية شاملة بين القوى الثورية والاتفاق على صياغة عقد اجتماعي جديد، يضمن إدماج كل القوى في مسار الإصلاح والتغيير والذي سيساهم في الاستقرار والسلم الأهليين. دون هذه المصالحة فإن الوضع سوف ينفجر من جديد ويتفاقم وفي النهاية ستكون لصالح قوى ثورية لا تزال تحمل قيم النظام السابق ويعاد سيناريو 1989».
هذا ما قلته مباشرة بعد الإطاحة بالرئيس السابق عمر البشير، بعد ذلك دخل السودان في مرحلة من المفاوضات الطويلة والشاقة والمتعثرة في كثير من الأحيان بين قوى الحرية والتغيير والمجلس العسكري الانتقالي استمرت أكثر من ثلاثة أشهر، حتى أيقن أطراف التفاوض أنهم أمام خيارين أساسيين لا ثالث لهم، هما إما تجاوز هذه المرحلة بقدر عال من المسؤولية إلى مرحلة إعادة وتشكيل مؤسسات السلطة التنفيذية وتحقيق التغيير بعد ذلك، أو البقاء في هذا الجمود مع تصاعد وتيرة التوترات السياسية والاحتجاجات على الأرض، وما يمكن أن يسفر عنه من نتائج غير متوقعة. لكن حكمة السودان ارتأت تحكيم العقل، وتغليب المصلحة الوطنية، واختيار العمل معا لتحقيق انتقال سلمي للسلطة يحفظ لهذا الكيان أمنه واستقراره ووحدته. وفي 17 يوليو (2019) كانت أولى ثمار هذا الخيار حيث تم الاتفاق على وثيقة الإعلان السياسي التي تناولت مسألة تقاسم السلطة بين المجلس الانتقالي وقوى الحرية والتغيير، وإتمام عملية السلام وإيقاف التدهور الاقتصادي والعمل على تحقيق التنمية المستدامة، وإجراء إصلاحات قانونية. ولما طال النقاش حول المجلس التشريعي تم الاتفاق على إرجائه إلى حين تشكيل المجلس السيادي. كما تم الاتفاق في هذه الوثيقة على إنشاء آليات للتحضير لوضع دستور دائم للبلاد، ووضع برامج لإصلاح أجهزة الدولة، وإصلاح الأجهزة العسكرية تتولاها المؤسسة العسكرية وفق القانون.
وأخيرا لا شك عندي أن هذا الاتفاق يعتبر البداية في طريق طويل يعترضه الكثير من العقبات والتحديات والمتمثلة في حل الأزمات التي خلفها النظام السابق وكيفية تعزيز السلام، إلا أن السودانيين قرروا بهذا الاتفاق طي الثلاثة العقود المظلمة من مرحلة النظام السابق وجماعة الإسلام السياسي في السودان، والمضي قدما نحو المستقبل وفتح طريق واسع أمام تحول مدني ديمقراطي، وتذليل كل العقبات ومواجهة كل التحديات لتحقيق ذلك
وبعد ذلك في الرابع من شهر أغسطس 2019 أي في أقل من شهر من الإعلان السياسي، أعلن الوسيط الإفريقي بالسودان محمد حسن ولد لبات،، «إن المجلس العسكري الانتقالي وقوى الحرية والتغيير اتفقا اتفاقا كاملا حول الوثيقة الدستورية التي تم التوقيع عليها بالأحرف الأولى». حيث تم تكوين لجنة مصغرة من الطرفين لإعداد الاتفاق للتوقيع، والتي توجت بالاتفاق النهائي الذي تم يوم السبت الماضي 17 أغسطس وبحضور وفود دولية وإقليمية ومنظمات دولية. هذا الاتفاق الذي يعتبر نقطة مفصلية من تاريخ السودان الحديث وخطوة إيجابية كبرى نحو مستقبل أفضل للمجتمع السوداني يحفظ أمنه واستقراره، ويستطيع من خلالها الإخوة في السودان التعافي من أزمتهم الحالية والانتقال إلى إدارة شؤون بلادهم على نحو يلبي آمالهم وتطلعاتهم.
وأخيرا لا شك عندي أن هذا الاتفاق يعتبر البداية في طريق طويل يعترضه الكثير من العقبات والتحديات والمتمثلة في حل الأزمات التي خلفها النظام السابق وكيفية تعزيز السلام، إلا أن السودانيين قرروا بهذا الاتفاق طي الثلاثة العقود المظلمة من مرحلة النظام السابق وجماعة الإسلام السياسي في السودان، والمضي قدما نحو المستقبل وفتح طريق واسع أمام تحول مدني ديمقراطي، وتذليل كل العقبات ومواجهة كل التحديات لتحقيق ذلك