دائما كنت أقول إن المشروع التركي في المنطقة لا يختلف كثيرا عن المشروع الإيراني، فكلا المشروعين يحاول ضرب مفهوم الدولة الوطنية في المنطقة. فتركيا التي كانت لأكثر من سبعة عقود وهي تدير ظهرها للمنطقة، في محاولات فاشلة للانضمام للاتحاد الأوروبي، حاولت مع وصول الرئيس أردوغان للسلطة أن تعيد إستراتيجيتها في تعاطيها للمنطقة، عبر استعادة دورها القائد في المنطقة اعتمادا على مفهومين رئيسيين هما «العمق الإستراتيجي» و «سياسة تصفير النزاعات» والتي لخصها أحمد داود أوغلو بعد تعيينه وزيرا للخارجية بنظرية «صفر مشاكل مع الجيران» وبناء روابط اقتصادية وسياسية واجتماعية قوية بين تركيا وجيرانها المباشرين، إلا أن المفارقة العجيبة أن إحداثيات الواقع التي أظهرتها موجات الربيع العربي التي عمت المنطقة، كشفت عن تناقض تلك السياسة، وأن تركيا أحاطت نفسها، وبكل غباء، بكم هائل من الأعداء، أدى بالنهاية إلى صفر جيران بدلا من صفر مشاكل مع الجيران، فلم يبق لدى تركيا أي جيران، فقد توترت علاقاتها مع سوريا وإيران وروسيا مع تفجر الصراع في سوريا واضطربت علاقتها كذلك مع العراق، هذا فضلا عن اهتزاز علاقتها مع معظم دول الخليج بسبب دعم ومساندة حركة الإخوان المصنفة كجماعة إرهابية، وتبني مواقف معادية مع الجيش المصري الذي تدعمه أغلب الدول الخليجية وترى فيه الدعامة الأخيرة لاستقرار مصر وعودتها للعب دورها الإقليمي. فقد حاولت تركيا إبان تفجر الثورات العربية في المنطقة، التحالف مع جماعة الإخوان المسلمين ودعمهم للوصول إلى السلطة في دول الربيع العربي اعتقادا منها أن هذا التحالف سوف يجعل منها دولة مركزية وقائدة للعالم العربي ويعزز نفوذها في إطار ما يسمى بـ «العثمانية الجديدة»، لاسيما أن الحزب الحاكم في تركيا ليس ببعيد عن مبادئ تنظيم الإخوان. يقول المحلل السياسي التركي فائق بولوت في مقابلة مع قناة «العربية» إن «خلفية أردوغان الإخوانية والربيع العربي جعلاه يفكر بعثمانية جديدة تكون هي المسيطرة والدول العربية تكون الحديقة الخلفية ولهذا دعم الإخوان لتحقيق ذلك المشروع الكبير». وقد لخص هذه السياسة مستشار الرئيس التركي رجب أردوغان، ياسين أكطاي، في لقاء تلفزيوني حيث قال «ان إسقاط الخلافة تسبب في فراغ سياسي في المنطقة، وقد سعى تنظيم الإخوان لأن يكون ممثلا سياسيا في العالم نيابة عن الأمة، البعض منا يستخف بقوة الإخوان ويقول إنهم عبارة عن جماعة صغيرة، لكن جميع الحركات الإسلامية اليوم ولدت من رحم جماعة الإخوان». ويضيف أكطاي «إن لجماعة الإخوان فروعها الخاصة وفقهها الخاص، وهي تمثل اليوم ذراعا للقوة الناعمة لتركيا في العالم العربي، فهذه الجماعة ترحب بالدور التركي في المنطقة، وهم بالتالي ينظرون إلى الدور التركي على أنه النائب للخلافة الإسلامية التي تم إسقاطها سابقا». إلا أن سقوط نظام مرسي في مصر وإفشال خطط العدالة والتنمية لدعم تيارات وأحزاب الإسلام السياسي للوصول إلى السلطة في بلدان أخرى في المنطقة، ضرب المشروع التركي في الصميم، وبالتالي انهارت إستراتيجية تركيا للهيمنة على الدول العربية عبر استخدام جماعات إرهابية مثل تنظيم الإخوان لإحياء السلطنة على حساب الأمة العربية.
وأخيرا هذا المشروع التركي المتحالف مع الإسلام السياسي الذي سعى إلى ضرب استقرار الدول وأمنها والذي لاقى للأسف دعما خلال فترة الرئيس باراك أوباما، ترتب عليه فيما بعد دمار شامل وفوضى عارمة وصلت تبعاتها إلى العالم كله من خلال نزوح ملايين اللاجئين العرب لأوروبا والدول المجاورة إلى جانب إيجاد بيئة مناسبة لصعود جماعات التطرف الأصولي كـ «القاعدة» و «داعش». وبالتالي لا خيار أمام المجتمع الدولي إذا أراد لمنطقة الشرق الأوسط، المنطقة الأهم في العالم، سياسيا واقتصاديا وأمنيا، إلا أن يدعم محور الاعتدال بقيادة السعودية، لانتشال المنطقة مرة أخرى من براثن الفوضى ودعم الأمن والاستقرار للمنطقة وتعزيز التنمية فيها.