قبل الخوض أكثر في هذا الموضوع، شخصيا أتفق مع أي توجه لوزارة العمل معني في تطبيق ممارسات الموارد البشرية الأساسية، مما يسهل ذلك في تنظيم أكبر للسوق ويؤدي لمنافسة أكبر لاستقطاب الأيدي العاملة وتوظيف الباحثين عن عمل بشكل مرن، وإضافة لذلك تكون لغة التخاطب بين الوزارة والقطاع الخاص مفهومة بشكل أكبر من السابق مما يساعد في تحقيق الوزارة لأهدافها المستقبلية.
مناقشة هذا التنظيم عادت للساحة مؤخرا ولكن بشكل بعيد عن أساسيات بدائية في الموارد البشرية واقتصاد سوق العمل، وهذا ما دعاني للكتابة مجددا عن الهدف منه وكيفية الاستفادة من تطبيقه إذا تم اعتماده من وزارة العمل.
أولا: هناك فرق كبير حينما يكون الحديث عن الأجور في القطاع العام والقطاع الخاص في المملكة، وفيما يتعلق بالأجور في القطاع الخاص فبكل بساطة نجد أن المتحكم الأول فيها هو سياسة «العرض والطلب» حتى ولو تم تطبيق حد أدنى للأجور، وفي نفس الوقت هناك فرق بين مفهومي «تحفيز رفع الأجور» و «الحد الأدنى للأجور»، وأيضا هناك فرق بين سوق عمل تأخر في إدخال التكنولوجيا والأتمتة وأغلب القاعدة الوظيفية فيه تتكون من وظائف مصنفة تحت تصنيف «الياقات الزرقاء» أو ما يسمى بالوظائف الأقل تصنيفا حسب التصنيفات المهنية في علم الموارد البشرية وبين أي سوق عمل آخر متطور، وإذا لم يتم فهم الفرق بين ما هو مذكور أعلاه فسيصعب على أي شخص تحليل سوق العمل أو تقديم توصيات حوله.
ثانيا: حينما يكون الحديث عن إقرار سلم أجور للقطاع الخاص فهذا يعني إلزام منشآت القطاع الخاص بوجود سلم أجور داخلي مع مراعاة لعدم وجود أي تمييز في «الجنس أو الجنسية» إذا تساوى العمل وذلك حسب سياسات منظمة العمل الدولية «اتفاقية رقم 100» من اتفاقيات منظمة العمل الدولية والتي صادقت عليها المملكة، ومن إطلاعي على سوق العمل في المملكة نجد هناك تطبيقا خاطئا في ذلك للعديد من المنشآت، فبعض المنشآت تعتمد في إنشاء سلم الأجور لموظفيها على «المؤهل العلمي فقط» كأساس حتى ولو تساوى العمل، وتربط العلاقة طرديا بين أجورها والمؤهل العلمي لموظفيها، وهذا المبدأ في إستراتيجيات الموارد البشرية يعتبر خاطئا وغير منصف أبدا، وفي المقابل نجد منشآت تعتمد في إنشاء سلم أجورها على «جنسية الموظف» كأساس في تحديد الأجر بالرغم من عمل الموظفين في نفس المهام والمسؤوليات، وهذا الأمر يعتبر مخالفا لسياسات منظمة العمل الدولية، ويتم استغلال ذلك بحجة مقارنة الأجور في بلدان العاملين الوافدين في تلك المنشأة.
ثالثا: أنا أتفق مع إلزام المنشآت بوجود سلم أجور داخلي لموظفيها، ولا يعني ذلك تطبيق سلم أجور موحد على سوق العمل بالكامل، فهناك عناصر كثيرة يعتمد عليها تحديد الأجر لكل وظيفة ومن أهمها «تقييم الوظيفة، حجم ونشاط المنشأة الاقتصادي، بالإضافة لموقع المنشأة جغرافيا»، والمطالبة بوجود سلم أجور «موحد» يعتبر «خطأ كبيرا» ولا أعتقد أن تتبناه وزارة العمل؛ لأنه سيُقيد من فرص العمل والفرص الاقتصادية والمهنية، وله تأثير سلبي كبير على الإنتاجية والكفاءة وزيادة التراكم المعرفي داخل سوق العمل خاصة للأيدي العاملة المحلية.
ختاما: عند تقديم التوصيات يعتبر التخصص هو الأساس وليس المنصب، وأنا على يقين بأنه لو تم تبني التوصيات في موضوع معين من أصحاب التخصص نفسه، فسنصل لاقتصاد قوي ومميز.