تحدثنا في الجزء السابق عن تفاوت نظرة الناس إلى الحياة بصورة عامة، واختلاف فلسفات البشر في تقويم ما تسبغه الحياة على الأفراد المنخرطين في ظروفها. فمن الناس من ينظر إلى جوانب الخير في حياته وحياة الناس من حوله، فيعدّ الأمر إيجابياً برمّته، ويبتسم عندما يستعرض أحداث الماضي، لكون الصورة المشرقة هي التي تطفو على السطح لديه؛ وهناك في المقابل من يركّز على الجوانب المظلمة في الحياة، سواء في فتراتها الماضية أو في نظرته إلى المستقبل وأحداثه، فتصبح الأمور سلبية لديه، لسيطرة النظرة السوداوية على تقويمه لظروف الحياة ومعطياتها بكاملها. وكما يدرك كثير من القراء أن الفريق الأول يصنفه الفلاسفة وأصحاب الدراسات النفسية والاجتماعية على أنهم ذوو رؤية متفائلة؛ بينما يجري تصنيف الفريق الثاني على أنهم من ذوي الرؤية المتشائمة. وسنعرض في هذا الجزء رؤية الفريق الثاني، الذي يحكم في النهاية على أن الحياة قطعة من البؤس، وأن الجمال فيها عارض وهو الاستثناء، إلا إذا كان المرء مصاباً بمرض عدم القدرة على التمييز بين الشر والخير. كما يذهب رأيهم إلى ضرورة فهم الحياة كما هي، لكيلا نقع في فخ الابتزاز الذي ينصبه أصحاب الأفكار المسطحة للبسطاء.
وبالطبع نشأت أفكار التشاؤم في التاريخ البشري من فلسفات بعض الاتجاهات الفكرية، التي ركزت على عمق حياة الإنسان ومدى قدرته على الاستفادة من الظروف المحيطة به، من أجل الاستمتاع بحياة خالية من أسباب الشقاء الذي يرى أكثر الفلاسفة المنخرطين في هذه الاتجاهات أنها ملازمة لحياة البشر باستمرار. وقد كان لحياة بعضهم الخاصة، أو ظروف العصر الذي عاشوا فيه، تأثير في تبني تلك الأفكار والسير بها قدماً نحو السوداوية. ومن أولئك على سبيل المثال الفيلسوفان الألمانيان شوبنهاور ونيتشه، حيث عاش أولهما أوضاعاً نفسية مزرية بسبب حالته الأسرية، إضافة إلى كون أوروبا آنذاك كانت تسودها روح التشاؤم؛ كما مرّ الثاني بظروف نفسية وصحية صعبة جداً، إضافة إلى الظروف غير المستقرة التي عاشتها أوروبا خلال فترة حياته.
أما فريدريك نيتشه (1844 – 1900م)، فقد تميز بالحدية في النظرة إلى مصادر الشر في الحياة. وقد تصاعدت عنده نظرة التشاؤم، بدءاً من الحياة التي تربى عليها، وانتهاء بحالات المرض التي عانى منها والاكتئاب الذي لازمه طويلاً وأنهى العقد الأخير من حياته في مرض عقلي كان يوصف فيه بالجنون. ومما لا شك فيه أن شدة التشاؤم تكون مقترنة غالباً بالاكتئاب، وتقود إلى حزن دائم وحالة من الفراغ، ووضعاً مزمناً من فقدان الطاقة والفرح بالأشياء التي تجلب عادة السرور.
فقد كان شوبنهاور (1788 – 1860م) يصف الحياة بأنها في أصلها ألم وحرمان، كما أن السعادة هي الشيء السالب الطارئ الذي يتسلل إلى هذا الأصل. هذه السعادة سيعقبها شر في الغالب، أو على الأقل سيعقبها فتور. هذا الفتور سينتظر لحظة سلبية أخرى قد يطول انتظارها، وما ممتلكاتنا وما يتحقق لنا بسببها من شعور جيد، إلا مجرد إعفاء من بعض جوانب العذاب، أما تعلق الشر بالحياة فهو تعلق أعمى غير مفهوم ولا يمكن تفسيره. بل إنه ربط الذكاء عند البشر بإدراك مأساوية الحياة، بحيث أصبح الإنسان السعيد في حياته في نظره بليداً، ولا يقيس الأمور بمنطق العقل.
أما فريدريك نيتشه (1844 – 1900م)، فقد تميز بالحدية في النظرة إلى مصادر الشر في الحياة. وقد تصاعدت عنده نظرة التشاؤم، بدءاً من الحياة التي تربى عليها، وانتهاء بحالات المرض التي عانى منها والاكتئاب الذي لازمه طويلاً وأنهى العقد الأخير من حياته في مرض عقلي كان يوصف فيه بالجنون. ومما لا شك فيه أن شدة التشاؤم تكون مقترنة غالباً بالاكتئاب، وتقود إلى حزن دائم وحالة من الفراغ، ووضعاً مزمناً من فقدان الطاقة والفرح بالأشياء التي تجلب عادة السرور.