الاعتقاد السائد هو أن الابتكار حكر على الشباب، الذي يبحث عن الجديد بشغف.
ألبرت آينشتاين، الذي نشر ورقته العلمية عن النسبية في منتصف العشرينيات من عمره قال «إن الشخص الذي لم يقدم شيئا عظيما للعلم قبل سن الثلاثين لن يفعل أبدا». هناك أمثلة كثيرة لابتكارات رأت النور على يد شباب عبقري في مقتبل أعمارهم.
في المقابل، هناك عدد من الابتكارات، التي ظهرت في أعمار متقدمة أنتجت اختراعا أو اكتشافا بسبب علم متراكم وعمل ممنهج. ولكن ماذا عن تلك الفترة بين عبقرية الشباب وخبرة «المعلم»؟ لماذا لا تنتج الاكتشافات مثل غيرها؟ فهي إما مبكّرة أو متأخرة، ولكن تتقلص وتكاد تختفي بين الفترتين.
يوضح الاقتصادي ديفيد جالينسون (David Galenson) أن ما يحدد الزمن، الذي يزهر فيه الإبداع (مبكّر أو متأخر) يعتمد بالدرجة الأولى على طريقة التفكير وبالتالي يؤثر كذلك على نوع الابتكار.
بعد دراسته للابتكار والمبتكرين استطاع أن يصنف ابتكارات الشباب على أنها فكرية وتعنى بفكرة أو مشكلة واحدة كبيرة يسعى لحلها. بينما ابتكارات الكبار كانت تجريبية وتعتمد على المحاولات المتكررة والتجارب دون أن تكون الوجهة والهدف واضحين بالضرورة عند البداية.
ميزة الابتكارات الفكرية لدى الشباب أن هؤلاء لم يتعمقوا بعد في العلوم، ولم يتعرفوا على الحدود المعروفة؛ لذلك كانت نظرتهم تختلف وتتسم بكونها خارج الصندوق. هذا تحديدا هو أيضا سبب ضعف الابتكار الفكري بعد سن الثلاثين لأنها الفترة العمرية، التي يكون الشخص قد تعرف بعمق على حدود علمه وهي بالتالي تحده من تعديها.
أما في الأربعينيات والخمسينيات والعقود، التي تليها من العمر فنجد الابتكار، الذي بني على خبرة تجريبية وبحثية طويلة كما لدى «المعلم». وهذا النوع يتطلب الصبر والمثابرة والبناء التراكمي وهي تنعدم عند الشباب، بل إن مَنْ له ابتكار فكري في سن مبكّرة قد يكون حبيس أفكاره ويصعب عليه تخطيها. الطريقة الوحيدة للخروج من ذلك المأزق هو أن يتحول إلى المنهج التجريبي.
تسير المملكة حاليا في اتجاه تعزيز الاقتصاد المعرفي والتشجيع على الابتكار، وبالتالي أصبحت عدد من الجهات تنظم فعاليات مثل الهاكاثونات، التي يجتمع فيها عدد من الناس ليبتكروا حلولا جديدة في فترة زمنية وجيزة. وإن كانت هذه الفعاليات جاذبة للشباب أكثر من غيرهم إلا أنها تكون أكثر نجاحا عندما يكون الفريق منوعا من حيث الخبرات والعمر. فشغف الشباب عندما يمتزج بخبرة الكبار ينتج حلولا مبتكرة وناضجة.
الابتكاران الفكري والتجريبي يتكاملان ولكل منه مجال للتطبيق. معرفة ما الذي نتوقعه من كل فئة يساعد في تشجيعه.