فما كادت تنفك أزمة الحرب التي أشعلتها تركيا، بإرسالها قواتها العسكرية إلى مناطق شمال شرق سوريا من أجل السيطرة على مناطق الأكراد هناك، حيث تزعم أنهم يمثلون خطرا أمنيا عليها؛ حتى انفجرت الأوضاع في لبنان التي تعيش أصلا أوضاعا سياسية هشة بسبب تقاسم السلطات والمحاصصة السياسية والفساد المستشري في أغلب فئات الطبقة السياسية في البلاد. فقد بلغت البلاد حدا كبيرا في العجز المالي والعجز الحكومي في إيصال الخدمات إلى الناس، كما وصلت إلى حد الفشل في الائتلافات التي تفرغت للتناحر من جهة، ومحاولة تحقيق المكاسب السياسية والمصالح الشخصية والفئوية على حساب المواطن والمصالح العليا للبلاد. فالأزمات الاقتصادية والفساد العظيم هما عنوان غضب الناس الذين خرجوا إلى الشارع للمطالبة بتغيير كل السياسيين الذين أوصلوهم إلى هذا المستوى من التردي في كل شيء، بما في ذلك الخدمات المدنية البسيطة من نظافة وكهرباء وخدمات أخرى.
وقبل فترة قصيرة كانت شوارع بغداد تضج بالمتظاهرين الذين سئموا من سوء إدارة الطبقة السياسية للبلاد، فانفجرت حالات الغضب الشعبي في مناطق مختلفة من العاصمة العراقية، بما في ذلك المناطق المحاذية للمنطقة الخضراء التي تتمتع بحراسة أمنية كبيرة لكونها تضم السفارات الأجنبية ومباني الحكومة والبرلمان العراقي. وبالرغم من أن التظاهرات والغضب الشعبي ليس غريبا على الشارع العراقي الثائر بطبعه، لكنه هذه المرة مختلف كليا، فهم الآن ينتمون إلى كل الطبقات الشعبية، ومن المنتمين إلى المذاهب والأحزاب المختلفة حاملين جميعهم الأعلام العراقية الوطنية في إشارة إلى الوحدة الوطنية لكل تلك الفئات.
طبعا إذا نظرنا إلى البلد الأكثر أزمات ومشكلات سياسية لكونها ساحة حرب منذ ثماني سنوات، فهي سوريا المنكوبة بكل تلك القوى التي تتصارع على أرضها، ومختلف الفصائل الإرهابية التي تتقاتل فيما بينها، وأحالت البلاد إلى أرض مدمرة منزوع منها الأمن والحياة الكريمة. فهذه البلاد التي أصبحت تمثل أزمات سياسية وإنسانية للعالم أجمع هي التي تفصل بين العراق ولبنان، بمعنى أن اتساع رقعة الفوضى في أغلب الرقعة الجغرافية الواقعة شرق البحر الأبيض المتوسط أصبح أمرا واقعا، ولا يعرف المدى الذي يمكن أن يصل إليه. ومثلما كانت مدينة بيروت تفرخ شتى الفصائل المتنازعة خلال الحرب الأهلية التي استمرت خمس عشرة سنة، وكانت قوى الاستخبارات العالمية تمارس أقذر عملياتها على الأراضي اللبنانية؛ فإن سوريا حاليا أصبحت تقوم بالدور نفسه، حيث أصبحت مختبرا لتجربة أغلب أنواع الأسلحة، مثلما هي ساحة لتصفية الحسابات بين الخصوم من المعسكرات السياسية المختلفة.
فما الذي تنتظره هذه المنطقة بعد كل هذا المستوى من العنف والفوضى؟ هل الفرصة ما زالت سانحة لعودة الهدوء والتنمية إلى هذه المنطقة من الساحة العربية، أم أن أشكال التغيير قادمة وفقا لأجندات القوى التي تحرك بوصلة التغيير؟ ما نستطيع قوله في هذا المجال، أن الطبقات السياسية المسيطرة تخطئ في حساباتها، إن كانت تظن أن المرء يستطيع أن يشرك الآخرين في الكعكة، ويأكلها في الوقت نفسه!