هذا ما ذكّرني به مارك أبراهامس (Marc Abrahams) عندما اعتلى مسرح إثراء في موسم تنوين للإبداع.. تحدث يوم الجمعة الماضي عن جائزة أكاديمية لا يعرفها إلا قلة، على عكس جائزة نوبل الشهيرة. الجائزة التي يمنحها سنويًا في شهر سبتمبر هي جائزة (Ig Nobel Prize)، والتي بدأ بتوزيعها عام ١٩٩١.
تُمنح الجائزة لتكريم الباحثين عن أبحاث تجعلك تضحك أولًا، ومن ثم تجعلك تفكر.
وإن كنت تعتقد أن هذه الجائزة قليلة الشهرة، وليست ذات مكانة، فعليك إعادة النظر.. فالجائزة توزع سنويًا في جامعة هارفارد العريقة، ومَن يوزعون الجوائز هم من حملة جائزة نوبل الحقيقية.
من ضمن فعاليات الجائزة يقوم الجمهور في مسرح ساندرس، الذي يتسع لـ١١٠٠ شخص، بصنع طائرات ورقية يرمونها باتجاه المسرح ليمتلئ، ويضطر «حامل المكنسة» لتنظيفه في كل سنة، ما عدا سنة واحدة عام ٢٠٠٥.
في تلك السنة اضطر روي جلاوبر (Roy Glauber) للسفر إلى ستوكهولم؛ لتسلّم جائزة نوبل الحقيقية في الفيزياء.
ويأتي اسم الجائزة من كلمة Ignoble، والتي تعني "منحط" أو "تافه"، ولكنها تكرّم
أبحاثًا واكتشافات أقل ما يُقال عنها إنها غريبة.. فأحد الأبحاث كانت لشخص رغب في اختراع سترة تحميه من الدببة؛ ليصل به الحال لتصميم دروع منوّعة، واختبارها بأكثر الطرق عنفًا بنفسه ليتأكد من مواصفاتها. انتهى به الحال أن ينتظر سيارة مربوطة عليها مرتبة لتصدمه وتطيّره مرارًا.
أبحاث أخرى بحثت أمر ديناميكيات السوائل، وتحديدًا لماذا تنسكب القهوة عندما
نمشي بها إلى الأمام، وتبعها بحث من طالب في كوريا الجنوبية يدرس نفس السؤال، ولكن بالمشي إلى الخلف.. هناك دراسة مقارنة بين سلوكيات الصراصير الممغنطة الحية والميتة وغيرها الكثير.
هل لهذه الأبحاث فائدة؟ هل هي «علم نافع»؟ بعض أغرب الدراسات قد تأتي بنتائج مذهلة.
عام ٢٠٠٦ نُشرت دراسة عن البعوض الناقل لمرض الملاريا بعد اكتشاف أنه ينجذب بشكل متساوٍ إلى رائحة قدم الإنسان، وجبن من نوع (Limburger).. كانت النتيجة استخدام هذا الجبن في مصائد للبعوض وتقليل انتشار مرض الملاريا في أفريقيا.
كان سؤال أحد الجمهور: إن كان هناك سعوديون فازوا بالجائزة، وأبشرّكم بأن
ذلك كان بالفعل هذا العام للباحثة غادة بنت سيف، مع فريق بحثي تناول قياسًا لمتعة حكّ الأماكن التي تحكّ الإنسان.
على الأكاديميين ألا يأخذوا أنفسهم على محمل الجِد، وإعطاء المرح والاستكشاف فرصة، فالأسئلة البحثية الغريبة كثيرة، والعلم لا يتعارض مع المرح.. لستُ أدعو للتفاهة في العمل، ولكن بعض الأسئلة يمكننا أن نحاول الإجابة عنها خارج القالب الجاد الذي نعيشه.