على الأرجح لا تزال «الحاجة» هي أم الاختراع حتى في عصرنا المليء بالاختراعات والأفكار المبتكرة والتكنولوجيا العظيمة، لم يختلف الكثير إلا بشكل نسبي للغاية، فقط الاختلاف حدث في تأثير الأزمات المالية على العالم والدول المعنية.
فبعد أكبر أزمة مالية عاصرناها جميعا في 2008 والتي حدثت في أكبر بلد اقتصادي ولديه الكثير من الخبراء والمنظرين الاقتصاديين، وعلى الرغم من كل إستراتيجيات الدفاع والتصدي والوقاية وإدارة المخاطر تمكنت الأزمة من الزحف كإعصار دار الولايات الأمريكية كلها ثم أكمل مشواره عالميا ولم تنته ارتداداته على بعض الأسواق والقطاعات، وأكثر المتضررين كانت مصارف تاريخية ضخمة تم بين ليلة وضحاها سحقها وكأنها لم تكن.
بالطبع فإن الولايات المتحدة أعادت جدولة مفاهيم أسواقها واقتصادها بالكامل وفقا لما مرت به من أزمة كبيرة، وتمت دراسة الكثير من قوانين الأسواق التي تسببت بصورة مباشرة في ذلك، كما ساهمت تلك الأزمة في تغيير طريقة الاستهلاك الفردية لدى الأفراد كذلك بسبب شح السيولة، أي إنها كانت سببا في إعادة هيكلة الاقتصاد الوطني والفردي في أمريكا بصورة قاسية ولكن مفيدة للغاية.
أصبحت النصائح الاقتصادية بعدها ذات أهمية وبدأ الناس يلتفتون للتوقعات الاقتصادية ويتابعونها بصبر وبوعي ويجتهدون في ذلك، بغية الخروج من المأزق الذي قلب الحال وفهم المستقبل المجهول.
في الواقع تلك الأزمة يعتبرها الكثير من خبراء الاقتصاد بأنها نهاية المرحلة الكلاسيكية من الاقتصاد فبعدها مر العالم بمنعطفات عميقة وتطورات وتغيرات عالية المردود والتحول، قادت إلى تشكيل اقتصاد نوعي حتى إن ذلك أدى لتغير توازن القوى الاقتصادية في العالم.
الاقتصاد الجديد بمراحله المتطورة وعالية التغيير وعلى الرغم من ترابطه العالمي الهائل وتواصله بشبكة لا يمكن تفكيكها دوليا، إلا أن نسبة المخاطرة فيه هي أقل حتى النصف في معدل اكتساب الخسائر وانتشارها. فهذا الاقتصاد قادر على حقن نفسه بمضادات وإعادة بناء نفسه من جديد في موقع الضرر وحسب.
ولعل الأزمة الصينية وشركة هواوي يمكن أن نتخذها نموذجا لفهم الأمر بصورة أوضح، فعلى الرغم من تعرض الصين بشكل مباشر لحرب تجارية كبيرة ترتب عليها خسائر انعكست حتى على نسبة نمو اقتصادها، إلا أنها تتجاوز الأزمة بطريقة تثير الإعجاب، ليس هذا وحسب، بل حتى الشركة التي تعرضت لانتكاسة جراء تلك الحرب وهي أكبر الشركات الصينية في الاتصالات والتكنولوجيا اليوم «هواوي» تنفض عن نفسها الخسائر وتحقق فوزا.
نحن في مفهوم آخر لاقتصاد أكثر متانة و«ذكاء» لا يمكن محاربته بفضل الجهود الفردية لفريق عمل وطني يسبح في مياه عالمية، هذا ما يمكننا وصفه.